بيوم الصحة النفسية العالمي ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان – ناجي سعيد
من لا يستطيع الوقوف بالطابور فهو يعاني من تراجع الثقة بالنفس ونقص الانتباه!
يُروى أن امرأة من بنى إسرائيل ارتكبت معصية، وعندما علم الناس بالخبر، اتجهوا نحو بيتها وانهالوا عليها بالسب والشتائم. بل ووصفوها بأقذر الأوصاف. ثم جيء بها بعد ذلك إلى المسيح عليه السلام، لكي يقيم عليها الحدَّ فتُرجَمَ. لمّا نظر سيدنا عيسى إلى القوم، وقد تهيئوا لتنفيذ الحكم. وما تحمله أنظارهم من احتقار وحقد لهذه المرأة. قال وهو يخاطبهم: «مَن لَم يُذنِب مِنكُم قَطُّ فِي حَيَاتِهِ فَليَرمِهَا بِأَوَّلِ حَجَر».
سناك سوري-ناجي سعيد
وقد استعرت هذه الرواية لكي أبدأ بالحديث عن الصحة النفسية، فالذنب الذي لا نعترف به، وهو سبب إلصاق تهمة “التخلّف” على الشعوب المقهورة. وهذا ما وضعهم في خانة دول العالم الثالث! إن لن يكن رابع وخامس.. والمشكلة في بلادنا أنّ أكثر من يُهملون الاهتمام بصحّتهم النفسيّة، هم أهل الاختصاص! وليس هذا تعميمًا على الجميع، بل تصوّر مُسبق من قراءات عديدة.
فالإدراك الجماعي يؤثّر سلبًا على الإدارك والوعي الفردي. فترى الإخصّائي النفسي يأبه لإعتقاد المجتمع، بأن زيارة الطبيب النفسي هي فقط للمرضى النفسيين!!. ومن قال بأن من لا يحافظ على صحّته النفسيّة هو ليس مريضًا؟ قد أوافق على انّه ليس مريضًا، ولكنّه مُهمل لصحّته النفسية. فالإناء ينضح بما فيه!.
لقد تعرّضتُ لحادث خطير من ستّ سنوات، وهذا ما تطلّب منّى متابعة نفسيّة، والحادث كان تبريرًا كافيًا لأقنع المحيطين بي بضرورة المتابعة النفسية، فعائلتي تمتلك وعيًا بذلك. ولكنّ أعرف أحدهم تعرّض لحادث سيارة أخطر من الذي تعرّضتُ له، ومع ذلك لم تقتنع أمّه الحنون. -والتي تحيطه عطفًا كبيرًا- بأنّه يحتاج إلى متابعة نفسيّة، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان!.
اقرأ أيضاً: سأضع وشم صورة أينشتاين وهو يمد لسانه للصحفيين – ناجي سعيد
الصحة النفسية هي حالة من الراحة والأمان، تمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتساعده من خلال استخدام إمكاناته لتحقيق ما يطمح إليه. والتعلّم والعمل بشكل جيد، يساعدان المرء للمساهمة بدورٍ يختاره بملء إرادته ليحسّن صورة المجتمع بشكل فردي حرّ.
مهمة للتنمية الشخصية
نستطيع القول إن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه اللذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي نعيش فيه. وهي حق أساسي من حقوق الإنسان. وحاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية الاقتصادية.
فكيف نغفل العوامل التي تؤثّر بشكل قوي على صحتنا النفسية؟ ومأساتنا في عدم القدرة على إدارة العوامل الاقتصادية والمجتمعيّة والاجتماعيّة والسياسية والتنمويّة.. وهي أساس في بناء الصحّة النفسيّة.
تهتمّ الدول عادةً في بناء سياسات وبرامج ترعى ظروف المواطن الإنسان، ولكنّ عامة الناس يصرخون ويستغيثون في حال لم يجدوا رغيف خبزٍ ليُطعموا صغارهم!. ولا أنسى الأساتذة الذين كانوا يراقبونا في الامتحانات المدرسية، حين كانوا يتبادلون الأحاديث ويتصهصهون، وكيف قال أحدهم، نسبة وعيه النفسي أفضل من غيره على ما يبدو. فقال لزملائه: فلنبتعد قليلًا كي لا نزعج الطلاب، فيفقدوا تركيزهم في الامتحان! فما كان من آخر إلاّ أن أجابه استهزاءً: شو مفكّر هودي بيحسّوا؟.
الثقة بالنفس
في يوم الصحة النفسية العالمي، لست مُخوّلاً لأطالب الحكومات بوضع سياسات تراعي صحتنا النفسية، بل كلّ ما أريده أن “أصرخ” في إذن كلّ مواطن فرد على اختلاف وعيه وإدراكه: حين تذهب إلى الدكّان أو المخبز أو محطّة البنزين حتّى. حاول الوقوف في طابور، أو على الأقل قف وراء الزبون الموجود. فبعلم النفس، من لا يستطيع الوقوف في طابور. “فهو يعاني ممّا يعاني منه الأطفال، وهو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط من تراجع الثقة بالنفس. والعلاقات المضطربة، وضعف الأداء في المدرسة أيضًا.
مع انّ الأعراض تقلُّ في بعض الأحيان مع تقدُّم العمر. ومع ذلك، لا يتخطَّى بعض الأشخاص أعراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط تمامًا. لكن يُمكنهم تعلُّم الاستراتيجيات لتكون ناجحة”. في يوم الصحّة العالمي من الواجب تقديم تحيّة كبيرة للعاملين في هذا المجال، فمشكلة اهمالهم ليست فرديّة وشخصيّة، بل مهنيّة.. فلنرفع وعينا النفسي، ليحصلوا على التقدير اللازم.