بالورقة والقلم.. أيلول شهر الطفر
“أيلول” ليس شهراً شاعرياً أبداً في ظل عيشة (غير ربك ما بيعرف كيف؟!)
سناك سوري-لينا ديوب
«غير ربك ما بيعرف كيف عم يمر هالشهر»، يقول “يحيى” عن مصروف “أيلول”، ويضيف لـ سناك سوري: «زوجتي غير موظفة، وراتبي 36 ألف ليرة سورية، سحبت منه قرض ضعف الراتب، وسلفة 20 ألف، بلا فوائد، ولم أتمكن من تغطية احتياجات البيت، عندي ست بنات، اثنتين بالجامعة، تحتاج لكل منهما للتسجيل فقط 25 ألف ليرة، وأختهم بكالوريا علمي كتبها بـ7 ألاف ليرة، والبدلة المدرسية نوع شعبي 12000 ليرة، والصغيرات الثلاث ابتدائي كل صدرية ثلاثة آلاف أيضا من النوع الشعبي، بالنسبة للأحذية النوعية أقل من وسط كل بوط بخمسة آلاف وبعد شهر بدو تصليح».
يصمت قليلاً، يتنهد، ويضيف: «هل تريديني أن أكمل عن نفقات هذا الشهر؟ متوسط القرطاسية لكل بنت ثلاثة آلاف، والتعاون والنشاط ثلاثمئة ليرة».
كل تلك المصاريف ولم يتم التحدث عن الطعام والاحتياجات اليومية الأساسية، يقول “يحيى”: «بالنسبة لطعامنا المكدوس والمونة تم إلغاؤهم من حياتنا، لأنه لا يوجد إمكانيات، وجبة الزيت والزعتر ألغيتها من الفطور لأن لا قدرة لي على شراء زيت الزيتون، وزيت القلي يضرب العيون، ومع ذلك نحتاج يوميا نصف كيلو لبنة ومثلها مسبحة، وثلاث ربطات خبز».
أمام الواقع السابق ينتظر رب الأسرة آخر الشهر بفارغ الصبر، لتعاد الكرة من جديد، يضيف لـ سناك سوري: «لا يختلف أي شيء آخر الشهر، حيث نبدأ الاقتطاع من الراتب، لتسديد القرض والسلفة، ولتسديد فاتورتي الكهرباء والماء، بيتي بالآجار وبخمسين ألف شهريا، ويحملني صاحب البيت جميلة كبيرة أنه يأخذ الايجار شهريا وليس مقدما، علما أن البيت غير مفروش».
قد يبدو سؤال، من أين لك هذا لتؤمن كل تلك المصاريف وراتبك لا يتجاوز الـ36 ألف ليرة، سؤالاً مجنوناً، ففي بلادنا “الله ما بيقطع بحدا”، وبناء عليه تمضي الحكومة بحبس زيادة الراتب معتمدةً على الكرم الإلهي.
اقرأ أيضاً: رئيس الحكومة مدعو لتعليم المواطن كيف يقسم راتبه بطريقة “ناجحة”!
ونحنا ما مندفع أجرة بيت!
تلتفت زميلته بالعمل “رويدة” لتبادرني القول: «نحن لا ندفع أجرة منزل، لكن راتبي الـ36 ألف ليرة تبدد منذ اليوم الرابع للشهر، إضافة لسلفة عشرين ألف، أولادي الأربعة يحتاجون لباساً مدرسياً لأن التربية ألزمت الطلاب هذه السنة بارتدائه، علماً أنني اشتريت من السورية للتجارة أي بأسعار شعبية، والموديلات غير محببة لأبنائنا، ولكن هذه إمكانياتنا»، تضيف: «زوجي يعمل بعد دوامه، لكن حتى اليوم بالإضافة لمعاشه، نصرف ما يحصله من عمله الثاني، وكل ما ننفقه فقط لاحتياجات المدرسة ومعيشتنا اليومية، اشتريت أدوية لابني المريض بـ2800 ليرة، ودون زيارة الطبيب لأوفر مبلغ الكشفية، أحيانا أتجنب صغاري في طريقهم الصباحي للمدرسة لأن جيبتي خالية من 200 ليرة لكل واحد منهم خمسين فقط ثمن قطعة بسكويت واحدة».
تبتسم ابتسامة سخرية لا تخلو من مرارة لتقول: «أتحدى كل تدريبات التمكين الاقتصادي للمرأة والأسرة، أن تدلنا على طريقة نتدبر فيها أمور هذا الشهر وغيره مع دخلنا القليل والأجور المرتفعة».
تطلب “منى” أن لا نسأل زوجها عن نفقات شهر أيلول، لأنها هي من يتدبر الأمر من عملها في الفرن وفي تنظيف البيوت، فبعد أن خسر عمله في “دوما” بداية الـ2012، لم يستطع تأمين عمل مستمر، أو كما تقول “متل قلتو”، فقد يعطيه صاحب المحل طيلة الأسبوع أربعة آلاف ليدفعها مواصلات، تضيف لـ سناك سوري: «استدنت من صهري 25 ألف لأشتري لباس وحقائب، لكن لم تكفيني، عدت واستدنت من الصيدلية المجاورة 30 ألف أيضا، لأنني أحتاج ثلاث حقائب لأولادي الثلاثة، وكل واحدة من النوع المتوسط بـ7000 آلاف، وعلي أن أؤمن الأكل من راتب الفرن، أما يومياتي في شغل البيوت لتسديد الدين، ولتسجيل ابنتي الكبيرة بالجامعة، وابنتي الثانية بعد أن نجحت تاسع، أخرجتها من المدرسة لتعمل معي وتعينني في المصروف ريثما تتخرج أختها، أسجلها بكالوريا حرة وعندها أختها تعينني، ولم أحضر أي نوع من المونة، رغم أنها تكون عونا لي في الشتاء».
المرصد العمالي للبحوث التابع لاتحاد نقابات العمال كان قد كشف أن متوسط ما تحتاجه أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص هو 230 ألف ليرة سورية، وذلك خلال السنة الماضية، واليوم لم ترتفع الأجور ولم تنخفض الأسعار، أي أن الرقم لم يزل صالحا للتقدير، بعبارة أخرى فإن الفجوة بين الدخل والانفاق كبيرة ومستمرة، ولن يستطيع أي مسؤول حكومي أو خبير اقتصادي الحديث عن ردمها في ظل الظروف الحالية، هنا نقتنع مع “يحيى” بأنه “غير ربك ما بيعرف كيف مندبرها”، فأعلى راتب 48 ألف كيف يمكن أن يكفي لـ230 ألف من النفقات، وحتى لوكان الزوجان موظفان، سيكون مجموع راتبيهما 96 ألف، وبالنسبة لقائمة الممنوعات، لا لحمة، لا فواكه، لا بيض، لا لباس جديد، لا زيت وزعتر، فقد نسيها المواطن السوري منذ زمن بعيد.
علما أننا حين نتحدث عن رواتب الفئة الأولى من الموظفين، لا نتجاهل شريحة الفئة الثانية والثالثة ذات الرواتب الأقل، أو العمال والعاملات المؤقتين، الذين يعملون بأجر يومي فقط.
اقرأ أيضاً: “خميس”: ننجح بمعظم الأشياء.. “إلا زيادة الراتب وهي متل الديانة مادة مُرسبة”!