الهوية المقهورة .. إحراق القرآن في السويد والرد بدون إدراك _ ناجي سعيد
نظام الرعاية الاجتماعية في السويد يتطابق مع جوهر القيم الإسلامية
إن الهويّة هي المفتاح التي تعطي الإنسان الدافع لكي يكون، فلا وجود أو كينونة لأي إنسان بلا هويّة. ومن الطبيعي –برأيي- أن يكون كما يريد، فحرّية الاختيار هي المعيار الذي لا نقاش حوله أو مساومة عليه، شرطَ ألا يُسبّب الأذى لأحد.
سناك سوري _ ناجي سعيد
فتنتهي حرّيتك –برأيي أيضًا- عندما تطأ مساحة أمان الآخرين. وقد يكون اختيار الهويّة مرتبطًا بحاضر الشخص أو ماضيه. فكيف الحال لو استبدلنا الشخص “الفرد” بجماعة.
والمشكلة “الهويّاتيّة” أن ما يربط هذه الجماعة المقصودة -التي أودّ الكتابة عنها- جزءٌ من الأجزاء المُكوِّنة لهوية مواطنيّة. فالهويّة، هي مجموعة انتماءات، يُراكمها أي شخصٍ من تجارب مكتسبة ومن مُعطيات موروثة.
ولو أخذنا نموذجًا لمواطنٍ عراقي -على سبيل المثال لا الحصر-، نستطيع أن نرى بوضوح، فقره وعوزه، وظروف القمع السياسي الإجتماعي أو المجتمعي المحيطة به، قبل أن أرى هويّته الدينية!.
حرق القرآن في السويد
وما أزعجني، ردّ فعل سلبي، من المواطن العراقي المقهور، على الجزء الديني من هويّته، التي دفعته لحرق القرآن في “السويد”!
هذا النظام للرعاية الإجتماعية لو نظرنا بموضوعيّة، يتطابق مع جوهر القيم الإسلامية في هذا المجال ناجي سعيد
والمشكلة التي أراها، هي “الخلط بين العام والخاص”، بمعنى أن مشكلة هذا المواطن العراقي، قد تكون خاصّة، ولا علم لي بها، حتّى لو كانت مسألة مع دولة “السويد”. فما أعرفه عن هذه الدولة أنّ فيها نظامًا للرعاية الإجتماعيّة راقيًا ومتحضرًا وإنسانيًا إلى أبعد الحدود. ويشمل جميع المواطنين والمقيمين، ولا يستثني من الحقوق أي هويّة دينيّة، ولو كانوا غير سويديين!
وهذا النظام للرعاية الإجتماعية لو نظرنا بموضوعيّة، يتطابق مع جوهر القيم الإسلامية في هذا المجال. ولولا أزمة السلوكيات الفردية وما فيها من فوضى وفساد منسوب إلى الحريات الفردية المطلقة التي أنشأها ويحميها ويرعاها -دون ضوابط أو تدخل- فكرُ الليبرالية الفردية، في ماديتها وفرديتها ونفعيتها. وهذا سائدٌ في كل بلاد الغرب الأوروبي والأمريكي.
لولا ذلك لكان نظام الحكم السياسي والاجتماعي السائد في “السويد” وباقي الدولة الإسكندنافية، هو النظام الأفضل والأصلح كبديل عن النظام الرأسمالي العالمي الفاسد المنهار. لكنه الأوحد إلى الآن دون بدائل واقعية قائمة أو قابلة للاحتذاء بها عالميًّا.
ردود الأفعال على الحادثة
وما يعنيني شخصيًّا، كتربوي مُتعمّق بالهويّة هو ردود الفعل على اعتداء واضح طال رمزًا مُقدّسًا للدين الإسلامي. فما شاهدته في الإعلام، هو ردود عاطفيّة، انفعالية، وصلت إلى حرق علم دولة “السويد” وسفارتها. قبل السلوك الرسمي من الدول كاستدعاء السفير وإغلاق السفارة.
لن يتشكل وعي لدى الدول الغربية ما لم يقم العالم الإسلامي برد منظم على الاعتداءات التي تستهدف القرآن الكريم. هاكان فيدان وزير الخارجية التركي
ولفتني تصريح وزير الخارجيّة التركي “هاكان فيدان” الذي أعرب عن اعتقاد بلاده بأنه لن يتشكل وعي لدى الدول الغربية ما لم يقم العالم الإسلامي برد منظم على الاعتداءات التي تستهدف القرآن الكريم.
والملفت بالتصريح، أنّه يتضمن إلتفاتة إلى الهويّة. فهو حريص على عدم الردّ بشكل انفعالي. لا بل المطلوب هو التروّي والأخذ بعين الاعتبار، الهوية وصورتها التي يجب إبرازها بشكل حضاري يليق بتاريخ الحضارة الإسلاميّة.
ومن خبرتي التي استقيتها من أحد البرامج التي تعلّمت منها. وهي في مجال علم النفس والتعامل مع الضغوطات، أن الفعل ملاصق تمامًا لردّ الفعل، ولو اعتمدنا الرسم لتوضيح هذا، لرسمتُ جدارًا يُمثّل “الفعل” وجدارًا ملاصقًا له “كردّة فعل”.
المساحة الضئيلة، لا بل شبه المعدومة بين الجدارين، تُدعى، بحسب البرنامج العلمي، منطقة ” الإدراك”. والإدراك لا يتعلّق بمعرفة شاملة للإلمام بالفلسفة والتاريخ والعلوم الاجتماعية. لا بل إدراك الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي دفعت المرء للتصرّف بـ “ردّ فعل” دون تروٍّ وتفكير بأسباب “الفعل”!
وسأترك للقارئ أن يستنتج ما الذي ينقص المقهورين الذين يتبعون هويّةً لها كلّ الاحترام والتقدير. ويشهد لها التاريخ، بالإنجاز العظيم التي قضت خلاله “ثورة مُحمّد” على عادة وأد البنات الجاهليّة، فهل وأدنا الجهل في عصرنا؟
من أهمّ الحقوق المُهمَلة في عصرنا التكنولوجي، هو حقّ “المعرفة”. فالمعرفة ترشد إلى الفعل الذي يمثّل جوابًا راقيًا وحضاريًّا على فعل صَدَرَ أوّلاً. الهويّة تبدأ من التربية، فمن يربّي أولاده على تلقينهم عند اصطحابهم في اليوم الأوّل إلى المدرسة: «بابا اللي بيضربك ضربو» لن يرقى إلى “الإدراك” قبل التصرّف الأرعن.