المهاجرون وفرض العقيدة على الغرب… حسان يونس
حكايات من سوريا التاريخية.:بين فرض المعتقدات واحتراهما… نماذج تاريخية
سناك سوري – حسان يونس
لطالما كان احترام المعتقدات والأديان عنواناً عريضاً تندرج تحته الكثير من الشروخ والنزاعات السياسية والثقافية والاجتماعية.
وفي التاريخ هناك محطات كثيرة وقف فيها رجال السياسة في موقف من يريد فرض اعتقاده ولونه الديني على مجتمعات تخضع لحكمهم، فكانت الفوضى والاضطرابات، وفي المقابل هناك ساسة، كانوا من الحكمة بحيث راعوا التوازنات القائمة ولم يحاولوا قولبة مجتمعاتهم وفقا لاعتقاداتهم الشخصية.
في عام 217م قتل الإمبراطور الروماني ذو الأصول السورية “كاراكالا” (ابن الإمبراطورة الشهيرة جوليا دومنا، زوجة سيبتموس سفيروس مؤسس السلالة السورية التي حكمت روما منذ 193م)، واستولى على حكم روما قائد عسكري آخر (ماكسيموس ماكرينوس)، بدأ بتقليص النفوذ السياسي للسوريين، وطلب من “جوليا ميسا” (اخت جوليا دومنا) ومن عائلتها العودة إلى ديارها في حمص، نفذت “ميسا” الأمر وعادت إلى سوريا، حيث تقلد حفيدها “باسيان” منصب الكاهن الأكبر لمعبد الشمس (ذو الحجر الأسود النيزكي الشهير) في حمص، ومن ثم اعتمدت “جوليا ميسا” على الجيش الروماني الشرقي المتمركز في حمص، وعلى أموال معبد الشمس لتخوض معركة ضد “ماكسيموس ماكرينوس” تنتهي بالنصر، وتمكّنها من الوصول إلى روما، ليصبح حفيدها “باسيان” ذو السبعة عشرة عاما إمبراطوراً رومانيا باسم “إيلاغابال” بين عامي 218 م حتى 222 م .
اقرأ أيضاً: نزاعات داخلية.. أحداث من التاريخ تحاكي الواقع _ حسان يونس
نقل “إيلاغابال” الحجر الأسود من حمص إلى روما، ولم يحاول أن يوفق بين إلهه والآلهة الرومانية، بل أخذ ينشر، وبشكل منهجي برنامجاً دينياً لاحتواء كل العبادات الأخرى، معتبراً ديانته ديانة من الدرجة الأولى، وأصر على ارتداء القماش السوري الأرجواني، ترافقه المزامير و الطبول، وبدأ بأداء الطقوس الكهنوتية ذات العلاقة بإلهه، ثم قام بوضع لوحة في مجلس الشيوخ الروماني لإلهه فوق تمثال الإله جوبيتر (كبير مجمع الآلهة في البانثيون الروماني)، مصوراً نفسه وهو يقدم الأضاحي لإلهه، ويشير المؤرخ الروماني “هيروديان” إلى أن الإمبراطور “إيلاغابال” أجبر أعضاء مجلس الشيوخ الروماني على حضور العروض الطقسية الخاصة بعبادة إيل جبل، حيث كان يطوف راقصاً حول المذبح الإلهي على وقع أصوات الأهازيج و قرع الطبول والصنوج، كما أشار “هيروديان” إلى أنه في موعد كل انقلاب شمسي صيفي، كان يُحتفل بمهرجان كبير، هذا النهج أفضى إلى مقتل الامبراطور “إيلاغابال” على يد الحرس الإمبراطوري، لكن عناية وحكمة الإمبراطورة الجدة “جوليا ميسا” أعادت تتويج حفيدها الآخر من ابنتها الثانية “ألكسندر سيفيروس” (ألكسيان) إمبراطوراً، فكانت أولى أعماله ترحيل الحجر الأسود إلى حمص، ليحكم ثلاثة عشر عاماً بين عامي 222م حتى 235م، قام خلالها بإلغاء المراسم الدينية التي دأب عليها سلفه، لتبقى عبادة إله الجبل محصورة في مدينة حمص.
اقرأ أيضاً: محطات من تدمير وإحراق المدن السورية_ حسان يونس
وللمفارقة فان الإمبراطور الروماني “أوراليان” استعمل معبد إله الشمس (إيلاغابال في حمص) خلال معركته الأخيرة والحاسمة مع الملكة السورية زنوبيا، حيث أعلن “أوراليان” أنه سيقيم معبداً لإله الشمس في حال انتصاره على زنوبيا، وبعد انتصاره 273 م عاد “أوراليان” إلى معبد “إيلاغابال” في حمص وقدم له أضاحي كثيرة ناسباً إليه فضل الانتصار في محاولة لاستمالة قلوب سكان حمص.
بين عامي 244 و 249 للميلاد حكم روما إمبراطور سوري آخر هو فيليب العربي (لقب بالعربي نسبة إلى الولاية العربية الرومانية التي شملت جنوب سورية، حيث كان مسقط رأسه شهبا بالقرب من مدينة بصرى)، سمح “فيليب” للمسيحيين بحرية العبادة، رغم “أنه” لم يكن مسيحياً، وعاش المسيحيون في عهده مرحلة من التسامح الديني سمحت بانتشار المسيحية في أرجاء الإمبراطورية .
وهنا يبرز الفرق بين الشخصية الشرقية ممثلة بـ “إيلاغابال” (التي تريد فرض اعتقادها حيثما كانت) وبين الشخصية الغربية ممثلة بـ “أورليان” التي تستعمل اعتقادات الآخر لإلحاق الهزيمة به والسيطرة عليه.
وفي مقابل “إيلاغابال” هناك “ألكيسان” و”فيليب” اللذان قدما نموذجا مختلفا للشخصية الشرقية، التي تحسن مراعاة التوازنات والتعايش مع قواعد لعبة التنوع والاختلاف لكنه ليس النموذج الشائع للأسف.
بين “إيلاغابال” و”أليكسان” و”أوراليان” يرتسم مثلث العلاقة الإشكالية بين المهاجرين والغرب، حين يحاول بعض المهاجرين في أيامنا هذه فرض اعتقادهم ببساطة “إيلاغابال” وغروره، ولنا في الأحداث التي وقعت مؤخراً وتقع خير مثال.
اقرأ أيضاً: الخيط المتصل.. محطات من التاريخ السوري المصري _ حسان يونس