الرئيسيةرأي وتحليل

اللحمات إلك والعضمات إلنا.. التربية بالضرب – ناجي سعيد

هل يخطر ببال متداولي فيديو طفل درعا حجم الإساءة المرتكبة للطفل؟

تربية الأطفال عمليّة حسّاسة، دقيقة، وخطيرة جدًّا، هذا لو أخفقنا في ممارستها مع أطفالنا! فعلى سبيل المثال، أظهرت بعضَ تجاربٍ علمية: “بأن أطفال البشر على قدم المساواة مع الحيوانات عندما يتعلق الأمر بعمليات حسابية بسيطة”، بهذا الاكتشاف المدهش سلطت الأضواء على أهمية البحوث المختصة بالذكاء الحيواني. وتتميز مجموعة مختلفة من الحيوانات عن طريق قدراتهم الإدراكية وذلك كما ذكر في بحوث مختصة في علم السلوك الإدراكي.

سناك سوري-ناجي سعيد

لقد تعمّدت قراءة المعلومات عن مستوى التعلّم عند الحيوانات الأليفة، وما دفعني إلى ذلك فيديو على متن وسائل التواصل الاجتماعي، لأشخاصٍ متوحّشين يضرب أحدهُم طفلاً بدا دون العاشرة من عمره، والخبر يفيد عن اختطاف هذا الطفل الضحيّة في “درعا”، بغرض المال وطلب الفدية من أهله للإفراج عنه.

نرى في الأفلام والمسلسلات الكثير من هذه القصص. ونعلم أنه خيال بوليسي، لكنّ الصدمة التي تأتي على دفعتين، أوّلاً: الطفل المخطوف، وكل قوانين العالم ودساتيره، تتّفق على إدراج الخطف وحجز حرّية الأخر، ضمن الجرائم الإنسانيّة الشنيعة.

ومن ثمّ، الصدمة الكبرى التي تعبّر عن سادية البشر: تصوير الفيديو الذي لا يتجاوز الخمس عشرة ثانية من الوقت، ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي! لست مخوّلاً لأن أتناول الموضوع من جهة قانونيّة، فليس مجال إلمامي واهتمامي. ولكن هل سيخطر ببال متداولي الفيديو حجم الإساءة المرتكبة للطفل؟ سأسلّم بأن جريمة الخطف من مجموعة أشخاص غير أسوياء، ولكن أليس حريّ بأي شخص سوي وخارج إطار الجريمة، إيقاف تداول الفيديو؟ على الأقلّ عن مشاهدته، فأنا فعلاً لم أقوَ على مشاهدة الفيديو، بل قرأت الخبر لأعرف التفاصيل.

لا يوجد دينٌ سماوي، ولا دستور أو شريعة أرضيّة، تسمح بالعنف الوارد في الفيديو المذكور. لا بل أكثر من ذلك فقد تتساوى المخلوقات (بشرًا وحيوانات أليفة) عن مفهوم الحماية. والحماية من العنف طبعًا. وما يختلف به الهرّ أو الكلب عن الأطفال، هو عمل الذاكرة. فالحيوان الأليف يحتاج الغذاء والرعاية والحماية من الأذى، ولكنّ ذاكرته لا تعمل مثل الذاكرة البشريّة. فذاكرته تزول كل لحظة!! تضرب قطّتك، وبعد قليل تعود “لتتغنّج” في حضنك! لكنّ الذاكرة البشرية في مرحلة الطفولة تكون ليّنة، وتُسجّل كل الأحداث، مؤلمة أم مفرحة.

اقرأ أيضاً: العقل الحر والتبعية – ناجي سعيد

لكن للأسف، حين تكون البيئة حاضنة للعنف، ترى الحدث المؤلم يُنتج حقدًا وكراهية، فالذاكرة البشرية جبّارة في استحضار كلّ ما ومن كان موجودًا لحظة تعرّض الطفل للعنف، وهذه المعلومة استنادًا لكتاب قرأته عن الذاكرة الجمعية والحرب. ببساطة إن هذا الفيديو المُهين للإنسانية، أكاد أقول جازمًا، بأن قادة الإرهاب المعروفين في العالم، والذين يعيثون “عنفًا”، لا بدّ من أن طفولتهم أُشبعت ضربًا بلا رحمة.

والطامّة الكبرى، في اعتقاد كثيرين من المجتمعات على مختلف مشاربها، بأن الضرب وسيلة تربويّة تُعلّم الطفل! ولا أودّ فتح باب الشرع في إفتاء الضرب للطفل، لكنّ ما لفت نظري (مع عدم موافقتي على ذلك): “.. أن ضرب التأديب مُقيّد بوصف السلامة، ومحله في الضرب المعتاد، كَمًّا وكَيْفًا ومَحَلًّا..”. ولكنّي من منطلق علمي أنا متأكّد، أن تباينًا موجودٌ بين المراجع الدينية والعلمية.

فالدين يسمح بضرب الطفل لقصوره في أداء فروض واجبة، أمّا العلم فيوضح مدى خطورة الضرب للطفل، فالعلم يسهب في تفسير عمل الذاكرة وأثرها على حياة الإنسان. والمشكلة علميّة بيولوجيّة بامتياز، فالتربية لا تُقوم بالعنف والضرب، وقد تقوم بشكل مؤقّت مُستندة على عكّازة الخوف، إلى أن ينكسر الخوف، فتتفلّت زمام الأمور لسلوك العنف بين الطفل المُعنّف -المخطوف كمثال- وبين أي ضحيّة يجدها أضعف منه، لأنه يكون قد انتقل من المُعنَّف في الأسفل، إلى المُعنِّف في الأعلى، وتبقى دوّامة العنف بالانتشار طالما هناك ساديون يتلذّذون بمشاهدة وإرسال الفيديو “العار”.

ولا بد من أن أذكر الجملة الشهيرة التي تؤكّد جهل البعض تربويًا، فقد كان بعض الأهل يصطحبون ابنهم إلى المدرسة في يومه الأوّل، وهم فخورون، بأن يصرّحوا للأستاذ: “اللحمات إلك والعضمات إلنا”.

اقرأ أيضاً: هل نستطيع تفريغ العنف بشكل سليم – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى