الحياة تكافئ صانعة الخبز الكادحة برصاصة الرحمة الأخيرة
الحياة غير عادلة أحياناً.. بين علاج السرطان والطعام الكفة ترجح لطعام الأحفاد
تفخر جارتي التي نال منها التعب حتى أنهك روحها وجسدها، بأنها ربّت 9 شباب بغياب والدهم الذي اختارت الحياة. أن ترحمه من الفقر والتعب فمنحته حادث سير أودى بحياته بينما كان عمر أكبر أطفاله لا يتجاوز الثمانية سنوات. مهدياً الفقر والتعب والكدح لزوجته الشابة.
سناك سوري-مرحبا يا قدر
تعرّفتُ إلى تلك الجارة الطيبة بعد زواجي وانتقالي إلى منزل الزوجية، كانت تبهرني دائماً بقدرتها على ابتكار أدوات العمل. فحين كانت الظروف المعيشية جيدة كانت تعمل على تنور صغير تعد فيه الفطائر المتنوعة.
لاحقاً اضطرت السيدة السبعينية للتخلي عن مهنتها التي لازمتها لأكثر من 40 عاماً. وأتاحت لها أن تساعد أبناءها وتزوجهم. فمكان التنور كان الوحيد المتبقي لابنها الأصغر، ليبني منزلاً وتزوجه.
لم تتوقف اختارت أن تعمل بالأرض وأقنعت ابنها بشراء بقرة متعهدةً أن تقوم بكل الأعمال اللازمة لها. من تنظيف وحلب وإطعام. تنهي أعمال البقرة ومن ثم تتوجه للعمل بالأرض، دون كلل أو ملل.
مطلع العام الجاري كانت سعادتها لا توصف حين قرر أحد الجيران افتتاح مطعم مأكولات شعبية في القرية. وقدم لها عرضاً أن تعمل على تنور قام ببنائه، طارت من الفرحة أتذكر لمعة عيناها حين أخبرتني.
في اليوم التالي زرتها لشراء بعض الفطائر حاسبت ومضيت، وبعد وصولي للمنزل تفاجأت بوجود اثنتين من الفطائر لم أدفع ثمنهما. عدت إليها وأخبرتها أنها أخطأت بالحساب. لكنها ضحكت وقالت لي: “هدول هدية مني”.
جارتي الجميلة الطيبة لم تفرح بعودتها للعمل الذي أحبته، فبعد أقل من 5 أشهر على بدئها العمل. اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي بمرحلة متقدمة جداً، هي اليوم تنازع ما بين الحياة والموت. تقول لي حان موعد الموت “ليش خلي ولادي يضيعوا مصاريهم عليي، يروحوا يطعموا ولادن أحسن أنا رح موت رح موت”.
تنظر السيدة الجميلة للموت بوصفه خلاصاً حقيقياً، وفي صميمها أعتقد أنها ترى فيه راحة أبدية حان وقتها. وفي داخلي كومة قهر، لماذا هذا البلد الاشتراكي لا يكافئ المجتهدين والمجتهدات بالطبابة المجانية. لماذا علينا أن نختار بين دوائنا وبين طعام أحفادنا؟