الرئيسيةفنلقاءمختارات

الحرب تهدي خليل صويلح 4 روايات من وحي العيش تحت الموت اليومي

صويلح: رواية ورّاق الحب نالت شرعية بعد حصدها لجائزة نجيب محفوظ

قال الروائي والصحفي السوري “خليل صويلح” أن الحرب أهدته 4 روايات كتبها بقلمه، وساهم وجوده في البلاد تحت القصف والفزع والموت اليومي في كتابة نصوصه بطريقةٍ توثيقية تظهر هندسة الرعب والنجاة من فخاخ الموت.

سناك سوري _ حلا منصور

وأضاف “صويلح” في حديثه لـ سناك سوري أن العيش في ظل الحرب مأساة وجودية زعزعت طمأنينة المكان. لكن هذه الحرب أهدته 4 روايات هي “جنة البرابرة” “اختبار الندم” “عزلة الحلزون” “احتضار الفرس”.

*في بداية شبابك انتقلت من الحسكة إلى دمشق، ماذا حملَ خليل صويلح معه من الحسكة إلى الرواية؟ وماذا ترك هناك؟

**كان عليّ ككائن نحيل وأعزل وانطوائي أن أغادر تلك الجغرافيا الخشنة نحو حلم غامض صنعته القراءة في المقام الأول. محمّلاً برمال الصحراء من جهة، وبياض أجراس القطن من جهةٍ ثانية.

هكذا اقتحمت مدينة “دمشق” بريبة البدوي وشفافيته بكتابة الشعر أولاً. لكنني بعد إصدار ثلاث مجموعات شعرية، اكتشفتُ ثقل الحمولة السردية لدي. فكانت روايتي الأولى “ورّاق الحب” التي اعتبرها النقّاد ضرباً من المغامرة السردية النافرة بتجوالها بين أكثر من ضفة للكتابة. في استقطابها مروحة واسعة من النصوص التي تتعلّق بمفردة الحب لجهة الموروث السردي العربي حيناً. والأدب العالمي طوراً، وإذا بالراوي يجد نفسه في مقام الحيرة في اختيار أسلوبه الخاص. أمام ثراء التجارب الأخرى، ليكتشف في نهاية المطاف عنوان روايته فقط. وبمعنى آخر، فإن الرواية العربية لم تُكتب إلى اليوم، بالمقارنة مع ما حققته الرواية العالمية.

بالطبع، هناك من لفظ هذه الرواية خارجاً لمفارقتها المسطرة النقدية المستقرة، إلى أن حصدتُ جائزة “نجيب محفوظ” للرواية التي ترعاها الجامعة الأمريكية في القاهرة، وترجمتُها إلى اللغة الإنكليزية، لتصل إلى 7 طبعات حتى اليوم، ما منحها شرعية متأخرة بوصفها انقلاباً جمالياً في الرواية العربية.

الرحيل إلى المدن الكبرى

*ما الذي يُجبر كُتّاباً ولدوا في مناطق غنيّة بالقصص والتفاصيل السردية على أن يغادروها إلى العاصمة أو مراكز المدن الكبرى؟

**أظن أن من يغادر مكانه الأول جسدياً، لن يهجره روحياً. سيحمل تفاصيله على ظهره مثل سنام الجمل، وهو ما سيتسرب في متن أو هوامش نصوصه المتعاقبة. بالنسبة لي كانت البداوة تتسلل إلى رواياتي بجرعات متفاوتة تبعاً للفضاء السردي الذي تطرحه هذه الرواية أو تلك.

أعيش قلقاً طويلاً في اختيار العنوان باعتباره استراتيجية كبرى، وهويّة أنطولوجية للنصّ، إذ يخضع لاختبارات متتالية إلى أن يبزغ العنوان النهائي كدمغة أصلية الروائي خليل صويلح

 

إلى أن كتبت روايتي “سيأتيك الغزال” التي أتت كتصفية حساب مع الذاكرة الأولى. وبشر تلك الجغرافيا المنكوبة، ورائحة الحليب الأول، والعطش والجفاف والملوحة. وسأعود إلى تلك الفضاءات في روايتي الأخيرة “احتضار الفرس” في رحلة متخيّلة إلى منطقة الجزيرة خلال سنوات الحرب وما جرى للبشر هناك. إذ تخلخلت طمأنينة الصحراء وانطفأت مواقد القهوة المرّة، وتالياً انطفاء الحكاية.

خلق العناوين عند خليل صويلح

*احتضار الفرس، عزلة الحلزون، نزهة الغراب، سيأتيك الغزال.. من أين يخلق خليل صويلح هذه العناوين لرواياته؟

**أعيش قلقاً طويلاً في اختيار العنوان باعتباره استراتيجية كبرى، وهويّة أنطولوجية للنصّ، إذ يخضع لاختبارات متتالية إلى أن يبزغ العنوان النهائي كدمغة أصلية. إذ ينبغي أن يتعانق العنوان مع المحتوى بوصفه إذاً، علامة مركزية في الإرسال والتلقي حسب نظريات البنيويين، لكننا سنتفق مؤقتاً، على أن الكتاب يُقرأ من عنوانه. بصرف النظر عن وعورة تضاريس بعض العناوين أو ابتعادها عن المتن السردي أو الجمالي للنصّ.

فالعنوان «يعلو النص ويمنحه النور اللازم لتتبّعه» وفقاً لما يقوله “عبد الفتاح كيليطو”. هكذا انتظرً إلى اللحظة الأخيرة توطين عنوان الرواية في قيد النفوس الأدبي.

سأنتبه إلى أن معظم عناوين كتبي تحمل أسماء حيوانات” سيأتيك الغزال”، “عزلة الحلزون”، و”احتضار الفرس”، و”نزهة الغراب”!. على الأرجح فإن هذه التوجه يأتي كترجيع لمناخاتي البدوية التي يتكئ عليها النص كأمثولة أساسية للمتن.

صويلح بين الصحافة والرواية

*ما الفرق بين خليل صويلح الصحفي، والروائي؟ وبالمناسبة كيف استطعت الحفاظ على خليل الصحفي الثقافي في ظل الحرب والسوداوية المحيطة؟

**هناك عملية تلاقح متبادلة بين عملي في الصحافة والكتابة الادبية. إلى درجة أنني أتعامل مع المادة الصحافية كنصّ سردي. وفي الرواية أستثمر لغة الصحافة لجهة التنوع في بناء العمارة السردية. إذ أتعامل مع اللون وسينوغرافيا المكان، والإيقاع الموسيقي، وهي مفردات منحتني إياها الكتابة الصحافية.

كتبتُ مرّة بأنني صديق الموتى، فبتحديقٍ ما سأكتشف حجم الخسارات التي أطاحت عشرات الأصدقاء بالتتالي. فمن كان يسدّد السهم إلى الدريئة تحوّل لاحقاً هو نفسه إلى دريئة. كما لو أننا في حقل رمي، أو في مقبرة. الروائي خليل صويلح

 

وقبل كل ذلك تأتي الكثافة وعمليات المحو والاختزال، فما تكتبه في ثلاث صفحات ممكن اختزاله بثلاثة أسطر، وذلك بنسف الدهون الفائضة والبدانة الروائية.  وتالياً الانتباه إلى المقادير المطلوبة لطهي الجملة سواء في مقال صحافي أو عتبة روائية. بصرف النظر عن المحرّضات الخارجية مثل الحرب والعنف والفقدان، فالرجل هو الأسلوب أولاً وأخيراً.

صديق الموتى

*كَثُرت نعاوى المثقفين السوريين.. وهذا واضح في مقالات وداعك لهم مؤخراً.. هل تعوّض سوريا مثقفيها الذين تنعيهم؟

**كتبتُ مرّة بأنني صديق الموتى، فبتحديقٍ ما سأكتشف حجم الخسارات التي أطاحت عشرات الأصدقاء بالتتالي. فمن كان يسدّد السهم إلى الدريئة تحوّل لاحقاً هو نفسه إلى دريئة. كما لو أننا في حقل رمي، أو في مقبرة.

كان الألم مزدوجاً، الفقد الشخصي أولاً، ومرارة الكتابة عن الغائب قبل أن يجف التراب. أجل لقد تحوّلنا إلى غسّالي موتى، وروّاد مجالس عزاء نحتسي القهوة المرّة بألم وصمت وفجيعة.

سوف أثأر من الموت في روايتي “احتضار الفرس” باستعادة أصدقاء غابوا بغتة مثل طعنة خنجر كنت أهذي بأسباب الفقدان. وكيفية أفول الجسد إلى كومة عظام ناحلة؟. لا شواهد للموتى هنا، مجرد حجارة ناتئة فوق القبور، تتوزعها سلالة أطاحتها الشيخوخة، والأمراض، والطعنات، منذ أن أسّس الجدّ الأكبر هذه المقبرة ليدفن أحد أبنائه الذي عاد من غزوة خاسرة مجندلاً فوق فَرَسه الشقراء، ودفنهما معاً. متجاهلاً تحذيرات الأولياء، إذ ماتت الفَرَس في الليلة ذاتها حزناً على خيّالها. يذكر الرواة أن الفَرَس ظلَّت تطلق صهيلاً خافتاً، ووقع حوافر، كان يسمعهما العابرون قرب المقبرة ليلاً!.

أكاذيب على غرار المؤرخين الأوائل

*في عزلة الحلزون تحضر شخصيات عديدة بأسماء حيوانات شرسة وطيور رقيقة. وتأخذ الشخصيات من طبائع هذه الحيوانات. يعتقد بعض القرّاء أنّك أردت الإشارة إلى أننا نعيش في غابة هذه الأيام.. ماذا يقول خليل صويلح في هذا؟

**يتساءل الراوي في “عزلة الحلزون” عن هويته الشخصية. الهويّة التي لم تشغله قبلاً، في محاولة لتفكيك شجرة النسب، وإذا بأجداده سلالة من الغزاة وقطّاع الطرق.

كما سيتكشّف التاريخ الشفوي عن «حفنة أكاذيب» على غرار ما فعله المؤرخون الأوائل. سلالة تتنازعها مصائر متضاربة في صراعٍ شرس بين أولئك الذين يحملون بين أضلاعهم قلب ذئب. والذين يحملون قلب طائر.

الراوي الذي يعمل مدقّقاً لغوياً في موقع إلكتروني، ومحرّراً مسائياً في دار نشر تراثية. يجد نفسه أسيراً بين أن يكون حاسر الرأس تارةً، وبعمامة طوراً، غارقاً بين الأخبار الملفّقة في الموقع. وثقل مكابدات أجداده من المفكرين والفلاسفة مثل “ابن المقفع وابن رشد والجاحظ”. والنهايات المفجعة التي انتهوا إليها، على خلفية مشهديات راهنة عن معنى القسوة، والهويات المتوهمة والدامية التي أفرزتها الحرب.

يذكر أن “صويلح” الذي حافظ على عمله الصحفي إلى جانب أعماله الروائية. شغل سابقاً منصب مدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة “تشرين” السورية. وقد فاز بعدة جوائز عن رواياته منها جائزة دبي للصحافة والإعلام عام 2010. وجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2018 عن رواية اختبار الندم. وجائزة الصحافة العربية عن مقال “الشاعر الغاضب والضجر والمتمرد .. محمد الماغوط والغياب الرابع”.

زر الذهاب إلى الأعلى