الانتقام والتحريض في سوريا الجديدة
من يظن أن الانقسام وخطاب الكراهية سيتلاشى بإسقاط النظام؟

واهم من يظن أن الإنقسام الحاد في البلاد وخطاب الكراهية والطائفية والانتقام والتحريض و14 عاماً من الصراع الدموي في البلاد سيتلاشون لحظة إسقاط النظام.
سناك سوري – بلال سليطين
خلال سنوات طويلة كان الإقصاء والإلغاء يتصدران معظم العناوين السياسية والمجتمعية في سوريا، وكان الاختلاف بمختلف أشكاله غير مقبول بمعظم الخطاب الإعلامي والسياسي. فشهدنا تحريضاً سياسياً وقومياً ودينياً ..إلخ من أشكال التحريض.
وتجاوز تلك الحقبة لايمكن أن يأتي بكبسة زر عنوانها سقط النظام والآن يجب أن ينسى كل شيء وندخل مرحلة خطاب “العصافير تزقزق والسماء صافية”.
بالحقيقة إن هذا التصور منفصل تماماً عن الواقع وعن منطق التعامل مع مخلفات ماشهدته البلاد من شروخ سياسية ومجتمعية.
لكن على أرض الواقع فإن ردود الأفعال على سنوات الانقسام وعلى آثار الماضي ماتزال حتى اليوم وبعد مرور أسبوع على اسقاط النظام أدنى من التوقعات السلبية بكثير.
فأشد المتفائلين ممن ينظرون للواقع السوري بعقل بارد لم يكونوا يتوقعون أن تمر الأمور بهذا الشكل حتى الآن، وهذا يُحسب لسوريا وللسوريين نقطة إيجابية تساعدهم على بناء مستقبلهم واستعادة تماسكهم.
وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن الانتهاكات والاستفزازات وسلوكيات الانتقام التي يرتكبها البعض على أرض الواقع أو على السوشيل ميديا سلوكيات يجب التطبيع معها. لكنه يعني فقط أنها أقل من المتوقع ويجب العمل على تفكيكها وصولاً لتبديدها نهائياً عبر إجراءات وخطوات تتبناها الدولة والمجتمع على حد سواء.
فسوريا ليست أول دولة تشهد صراعاً دموياً وانقساماً، وإن كان هذا الصراع له خصوصية الانطلاق كثورة من أجل الحرية وضد الاستبداد والظلم ومن ثم التحول إلى صراع مسلح. فقد عرفت عديد الدول صراعات دموية مثل رواندا التي سقط فيها قرابة مليون إنسان ضحايا الحرب التي دارت في البلاد. ولدينا أيضاً تجربة الجزائر التي شهدت أيضاً حرباً استمرت لقرابة 10 سنوات سقط فيها قرابة 26 ألف إنساناً كضحايا. وفي الحالتين نجح البلدان في الخروج من الصراع وفتح صفحة جديدة غير دموية عبر إدارة مرحلة مابعد الصراع من دون انتقام وثأر. ووضع البلدان منهجاً للمصالحة الوطنية يقوم على مبدأ لا منتصر ولا مهزوم.
بالعودة لـ سوريا فإننا مازلنا في اللحظة الأولى مابعد سقوط النظام، وماتزال البداية إيجابية لناحية الإعلان الواضح عن رغبة السلطة القائمة بناء دولة لكل السوريين دولة لا انتقام فيها. وردود أفعالها الإيجابية لناحية العمل على احتواء السلوكيات السلبية والتي يمكن القول حتى الآن إنها فردية وغير ممنهجة. ما يجعل هذه اللحظة نقطة يمكن البناء عليها لضمان بناء مستقبل مزدهر وحماية السلم الأهلي وتحقيق التنمية وتبديد شعور المظلومية لدى عموم السوريين.
وبالتالي فإننا في هذا الوقت نحتاج على أرض الواقع لإشراك المجتمعات المحلية في إدارة مختلف شؤونها حالياً ما يخلق الاطمئنان ويبني الشراكة. أما في وسائل الإعلام وعلى السوشال ميديا فنحتاج محاصرة خطاب الكارهية بخطاب السلام والشراكة ودعمه وتعزيزه وتصديره بكل الطرق المتاحة لأنه الحامل الرئيسي لمستقبلنا. وبتقديري هذه أسرع الطرق لجعل الذين يبحثون عن اللايك عبر التحريض محاصرين ومواجهين عبر جمهورهم الذي ستشعره هذه الإجراءات بالطمأنينة وتدفعه للانخراط كمدافع عن السلم الأهلي. حتى نصل إلى دولة لا مكان فيها لخطاب الانتقام والتحريض على الكراهية.