الإشاعات والتواصل اللاعنفي _ ناجي سعيد

هل هناك كتالوج يرافق الإنسان ليعرف بأنّ نقل الإشاعة هو عنف؟
سناك سوري- ناجي سعيد
أذكر أثناء طفولتي في المدرسة، طلابًا كانوا يتبادلون ورقةً، هي عبارة عن رسالة مكتوبة-وأجهل مصدرها تمامًا- ولا أتذكّر مضمون هذه الورقة بالطبع، فما أذكرهُ جيّدًا، أن الشخص الذي كان يعطي الورقة لآخر، كان يطلب منه نسخها وإن لم يستجب لطلب النسخ هذا سيصيبه مكروه ما.
ولم تتأثّر هذه العادة بالتطوّر التكنولوجي الذي سيطر على عالم التواصل بين الناس. ومعروفٌ بأنّ هذا العالم من التواصل يُدعى اجتماعي، لأنّ منبعه “المجتمع”. وهو بالتالي يخضع لا محالة لنقل “الخبريات” بالتواتر. والتواتر هي مصدر شفاهي لنشر الأخبار. وغالبًا ما يكون هذا المصدر غير موثوق به.
فالحادثة التي أخبركم عنها والتي تحدث بين الطلاّب، لم تكن حينها بوارد الإخضاع لتدقيق صِحّة “خبرياتها”. وهذا ما يجعلها: إشاعة، فكم مرّة سمعنا بأن فُلانّا أصابه مكروهًا، والذي أخبرنا كان قد أخبره فُلان آخر عن فُلان/ عن فُلان..عن..عن..إلخّ. ولو أردنا تصديق الإشاعات، لأكّد لنا المصدر عن ناقل الخبر بأنّ صفة “موثوق” تسبق نقله الخبر كشهادة مُعتمدة لتسير في آذان الناس وعقولهم، كما تسري النار في الهشيم.
ومن منظور اللاعنف، يمكننا أن نعتبر بأنّ الإشاعة هي القشّة التي قصمت ظهر البعير. فلو بذلنا جهدًا بسيطًا وتأكدّنا من أي خبر نسمعه قبل أن نشرع بنقله لخفّفنا سلبية التواصل وسهولة انتشاره. لا بل يتلذّذ البعض بعد تصديق أيّ خبر كاذب “بتبهيره وتمليحه”.
اقرأ أيضاً: الخسارة والرد بالكراهية _ ناجي سعيد
ومن يقول أنه لا يمكن الوصول إلى عالم لاعنفي؟ وبأن اللاعنف هي حلم وردي؟ ومن قال أنّه من المثالية تحقيق اللاعنف؟ جوابي هو جواب العصفور الذي سخرت منه الحيوانات حين هربت من الغابة التي شبّ فيها حريقٌ: عم بعمل النقطة اللي عليّي. فقد شرع العصفور بجسمه الصغير بملء منقاره الأصغر وذهب يساهم في إطفاء النار المنتشرة. فلو أن الناس تمتلك ذرّة تفكير إيجابي، لما ساهمت في توسيع رقعة النار في المجتمع.
ومن وجهة نظر علم النفس، ولو سلّمنا جدلاً بأن الإشاعة نتيجة حالة نفسيّة، أو عقدة نقص لسببٍ ما، فقد أتت التكنولوجيا لتوفّر مجهودًا، وقد اختصر أستاذنا في الجامعة أهداف هذه التكنولوجيا بجملة كان يقولها لنا: “طُولت إيدو الإنسان”. ومفاد الجملة بأن الإنسان حين يبتكر أي مُنتج يسعى لتطويره بهدف إراحة الإنسان، فقد كانت الغسّالة والبرّاد والجلاّية، والأدوات الكهربائية تطوّرًا تكنولوجيًّا، هدفه راحة الإنسان.
أمّا الجانب السلبي، فهو خواء المستوى القِيمي للتكنولوجيا، عند شراء أي قطعة إلكترونية لا بدّ لنا لفهم كيفيّة استخدامها أن نقرأ “الكتالوج”. لكن السؤال: هل هناك كتالوج يرافق الإنسان ليعرف بأنّ نقل الإشاعة هو عنف؟ ويعود بالضرر على المجتمع؟ لقد ساهمت التكنولوجيا في نشر الإشاعات وتغذيتها وعملت على ترسيخ العادات التي كانت تصادفني في طفولتي، فالهدف من نسخ الرسالة ونقلها للآخرين، أصبح ممكنًا بالضغط على الأزرار أو لمس الشاشة ليتواتر (عبر الواتساب) الخبر الكاذب الذي لا يعلم المُساهم بنقله بأن فعلته هذه تعمل على تقويض أسس ودعائم التواصل اللاعنفي بين الناس. وحين أتحدّث عن التكنولوجيا، لا أغمض عينيّ عن ايجابيّاتها، بل كل ما أتمنّاه أن نُحسن التعامل معها والاستفادة منها بما فيه مصلحة وخير الانسان والمجتمع. فمن الحكمة الرشيدة قول الإمام عليّ: “قيمة كُلّ امرئٍ ما يُحسنه”. وقد نتبنّى هذه المقولة لتطبيقها في عالم التكنولوجيا، ولنتبع كتالوج الإنسان الموجودة معاييره ضمن حدود القيم الإنسانية، والتي تحتاج للتطبيق الصادق فقط، وبذلك ندقّ مسمارُا في نعش الإشاعات الشفهية والمكتوبة و.. “الواتسابيّة”.
اقرأ أيضاً: العنف اللفظي _ ناجي سعيد