اصغِ.. تُصغي لكَ الدنيا – ناجي سعيد
التواصل اللاعنفي يتيح لأطفالكم تنظيم أمورهم وحياتهم
سناك سوري-ناجي سعيد
من المُسلسلات التي شاهدتها وأعجبتني حينها: “يوميّات مُدير عام”، وبغضّ النظر عن تفاصيل المسلسل، أذكر مشهدًا، يخدم الموضوع الذي سأتناوله اليوم في هذا المقال. ويعكس المشهد نمط من الإصغاء، يُعتبر خاطئًا في عملية التواصل الفعّال الذي يفسح المجال للتواصل أن يكون لاعنفيًّا.
يُظهر المشهد “جمال” ينتظر مكالمة تهمّه من المدير العام “أحمد عبد الحقّ” (حيث وعده حين تنكّر بشخصيّة “بهجت” عامل البوفيه في المديريّة الفرعيّة ليكشف الفساد)، وحين رنّ جرس الهاتف، رفع السمّاعة فورًا وقال: نعم أستاذ.. فكانت زوجته متّصلة لتسأله عمّا يريد أن تطبخ له، فنهرها قائلاً لا يهمّ ماذا تطبخ له، فهو ينتظر مكالمة مهمّة.. وعاودت الكرّة مرتين، وفي المرّة الثالثة، حين اتّصل المدير، كان جوابه ردّ فعل عفوي على حاجته بـأن تدعه زوجتُه وشأنَه، فهو بانتظار تعيينه مديرًا فرعيًّا عوضًا عن الفاسد “أكرم”!.
إنّ المشهد التلفزيوني على اختلاف نوعه (كوميدي/ درامي..) يُحاكي أمرًا مفصليًّا في علم النفس والطبيعة البيولوجيّة للإنسان. فبيولوجيًّا، تعتبر حواس الإنسان هي المدخل الأساسي لإدراك العالم المحيط به. ولكن خلف الإدراك الحسّي للأشياء المُحيطة بنا، هناك عالم غير مرئي يصبّ مباشرةً في عالم اللاوعي. ومنطقة اللاوعي تُخرّب المسار العفوي الصادق.
اقرأ أيضاً: الفساد هو المصدر المُغذّي للعنف – ناجي سعيد
وما أقصده تمامًا، هو قدرة الإنسان على التحمّل التي تمنح الفرد مرونةً تجعله يخفي تحت سجّادة ذاته نقصًا في تلبية الحاجات، مُزيّنًا شخصيته بالمرونة والقدرة على التحمّل، ليكون صبورًا فوق طاقته. لست ممّن يدعو إلى قلّة الصبر والوعي، فالحاجة حين تُلبّى تضمن توازنًا ضروريًّا واتّزانًا مطلوبًا لصحّة التواصل اللاعنفي بين البشر. ليس هذا أمرًا مستحيلاً، ولكن من الضروري أن يعوّد نفسه الإنسان، على الفصل بين الحواس وما ينتج عنها من مشاعر وبين الحاجات والسلوك المؤدّي إلى تلبيتها.
ومن المتعارف عليه تمامًا، ومنتشر شعبيًّا ظاهرة ما يُدعى: “زلّة لسان”، وهذه الزلّة تفضح الحاجة المخفيّة، وخير مثال على تغلّب الحاجات على السلوك البشري والحواس، ما ذكره زياد الرحباني في إحدى حلقاته الإذاعية، بأن يكون الشخص منتظرًا مكالمة في منزله، ويتوجّه إلى الدكّان لشراء علبة سجائر، وفي اللحظة التي يدفع ثمنها للبائع، يرنّ الهاتف، ودون تفكير تتغلّب حاجته.. فيرفع سمّاعة الهاتف في الدكّان، ممّا يسبّب له الإحراج!!.
وهناك نظريّة للعالم الألماني “شولتز فون ثون” وتدعى “الآذان الأربعة”. وتحمّل أربع أبعاد لرسالة أي شخص يخاطب الآخر: الوقائع/ كشف الذات/ العلاقة/ الطلب. ولتسهيل عمليّة التواصل اللاعنفي، يجب أن تُصاغ الجملة (الرسالة) بطريقة تُظهر الأبعاد الأربعة، دون فصلهم أو خلطهم بطريقة عشوائيّة. فلا نصرخ بابننا أو ابنتنا: شو هالفوضى بالغرفة! فوضوي/ة ومهمل/ة!! والطريقة المُثلى في عمليّة التواصل اللاعنفي، على الشكل التالي:
أمّ تخاطب ابنها وقد شاهدت الفوضى تعمّ غرفته:
1 الوقائع: أرى الفوضى تعمّ الغرفة.
2 كشف الذات: قد أزعجني ذلك جدًّا.
3 العلاقة: أنا أمّك، وأحتاج لأكون فخورة بابني.
4 الطلب: أرجو منك ترتيب هذه الفوضى كي لا تتأثّر سلبًا.
الحاجة التي أظهرتها الأمّ في رسالتها الواضحة السليمة، تساعد الطرفين. فمن جهة ترتاح الوالدة في أداء الابن تصرّفاته بشكل مريح ولا يُتعبها. ومن جهة أخرى تعود بالنفع على الابن حيث إنّ التواصل اللاعنفي يتيح له تنظيم أموره وحياته، ليرافقه النجاح. ولو أنّ الحواسّ الخمسة دون وظيفة لما خلقها الله لنا. حيث أنّ سوء استخدامها سبّبت الكثير من المشاكل: حوادث السير (تنتج عن قصور السمع أو النظر) والفشل في الدراسة أيضًا. ويمكننا حينها أن نغيّر القول المأثور من اضحك تضحك لك الدنيا، إلى: اصغِ.. تُصغي لكَ الدنيا..
اقرأ أيضاً الهوية لاتلغي هوية.. العنف وحده يجعل كل الهويات قاتلة-ناجي سعيد