ابقوا حيث الرقص فالأشرار لا يرقصون.. سوريون تجاوزوا نظرة المجتمع
راقص: بعض طلاب قسم الرقص يعملون بالباطون والخشب لتأمين معيشتهم
سناك سوري – عمرو مجدح
ارتبط الرقص بالبشر منذ القدم وتطور مع تطورهم فقد عرفت الحضارات القديمة ذلك التعبير الحركي بأشكاله ومناسباته المختلفة، كرقصات الحروب واستجداء المطر ونجد النقوش الجدارية في “مصر” القديمة وهي تؤرخ لطقوس الرقص كذلك عند السومريين والأشوريون والكلدان وتؤكد الدراسات ارتباط الرقصات بالمثولوجية الدينية للحضارات القديمة وعلى سبيل المثال يقال أن “الدبكة”، تقوم على أساس الدوران حول المكان المقدس، لتحل البركة وأنها تختلف في المدن عن التي يؤديها البدو الرحل والتي تتمثل بهز الأكتاف والتمايل كذلك الحال مع الفلاحين فالبيئة تلعب دوراً في طبيعة الحركة.
من الرقصات الدينية التي ظهرت بعد الإسلام، رقصة الدراويش “المولوية” التي أسسها “جلال الدين الرومي” وهي عبارة عن رقص بشكل دائري يمتد لساعات ليرتقي بالنفس إلى درجة الصفاء الروحي.
اليوم اختلف واقع الرقص وأسقطت عنه الأساطير والأصول وبقيت الحالة الروحية والبهجة، التي تزرعها الخطوات الراقصة في النفوس لكنك اذا قررت أن تحترفه مع تطور شكل الحركة الحديث وربما حتى بالأداء التقليدي ستواجه ازدواجية ذات المجتمع الذي يخلق من كل مناسبة ساحة رقص وستواجهك عدة أسئلة مثل “ليش الرقص بيندرس؟”، “لما تتخرج تطلع راقص؟” ويقول الأهل باستهجان: «إذا سألونا الأقارب والجيران ماذا يدرس ابننا نقول رقص؟!” وهكذا سيواجه الساعي للإحتراف العديد من العقبات بينما يردد في داخله “لا ثقافة لشعب بدون رقص” و”ابق حيث الرقص فالأشرار لا يرقصون”».
ابق حيث الرقص فالأشرار لا يرقصون
اقرأ أيضاً: الرقص في مخزوننا الثقافي – حسان يونس
تقول “رزان جميل” ابنة مدينة “حلب” عن نظرة المجتمع للرقص: «ما يزال الرقص غير مقبول لدينا للجنسين على الرغم من أن مجتمعنا يرقص “الدبكة” و”المولوية” الصوفية كذلك رقص “الشركس” البديع إلا أنه يرفض نوع الرقص المعاصر و”هز الوسط” الشرقي الذي يخاطب الغرائز».
تتذكر “جميل” الراقص الشرقي الذي لم يتقبل أهله ولا المجتمع المحيط أن يمتهن ويمارس رقصة تصنف نسائية في العرف الشعبي، وتحمل إيحاءات يراها البعض جنسية تقول: «قاطعته عائلته وظل وحيداً منبوذاً إلى أن قرر الهجرة وهو ليس الوحيد فهناك شاب آخر ينتمي لإحدى العائلات العريقة التي لها وزن وسمعة طيبة في المدينة إلا أن الشاب سلك طريقاً مختلفا فدرس فن الباليه وهو فن عالمي محترم لكنه لا يتماشى مع عادات وتقاليد العائلة التي أعلنت الغضب على ابنها الذي ما يزال يمارس هوايته اليوم في فرنسا».
هناك تقصير إعلامي بالدعم وإلقاء الضوء أكثر على المسرح الراقص وأهميته على مستوى سوريا والعالم غيداء عثمان خريجة أدب انكليزي وراقصة مسرحية
تحكي “غيداء عثمان” خريجة “أدب انكليزي” لسناك سوري عن تجربتها بدخول عالم الرقص المسرحي قائلة:« كانت هناك معارضة من الأهل لأننا بالنهاية ننتمي لمجتمع شرقي تحكمه العادات والتقاليد إنما لم يصل الأمر لحد القمع أو المنع كانوا فقط يفضلون اختياري لمهنة مختلفة خاصة أن مشاركتي مع الفرقة كانت بمحافظة أخرى وتزامنت مع الحرب السورية».
وتضيف حول نظرة المجتمع للرقص: «أعتقد أن المجتمع يمكن أن يتطور ويتقبل كل شيء إلا فكرة الرقص دائماً يروها من زاوية مختلفة ويجب علينا دائماً أن نكون في موقع الدفاع و شرح معنى الرقص. هناك تقصير إعلامي بالدعم وإلقاء الضوء أكثر على المسرح الراقص وأهميته على مستوى سوريا والعالم».
اقرأ أيضاً: سوريون يرقصون على الكراسي المتحركة في تجربة هي الأولى
تعلق “عثمان” على مشاكل الراقصين وأسباب هجرتهم قائلة: «الحرب كانت أحد أهم عوامل تراجع المسرح الراقص والأزمات الإقتصادية المتتالية جعلت الراقص يبحث عن عمل إضافي لتأمين مستلزمات الحياة البسيطة، خاصة أن الإلتزام بالرقص بحاجة لوقت طويل وتدريب والدخل المادي أقل من المجهود والاستغلال كبير جداً لدرجة أنه يوقف شغف الفنان وحلمه ورغبته بالتطور لهذا هاجر اغلب الراقصين إلى الخارج فهناك تقدير واحترام أكثر وعلى الصعيد المادي الرواتب أعلى وتكفي الراقص ليعيش».
وتضيف: «تركت الرقص بعد تحقيق حلمي بالصعود والمشاركة بعرض على مسرح دار “الأوبرا” الذي يعد أهم مسارح “سوريا”، حالياً أقوم بترتيب أفكاري والبحث عن مهنة مضمونة تساعد على تأمين مستقبلي».
يرى الراقص “فضل عدم ذكر اسمه” خريج المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الرقص، أن أزمة الراقص بسوريا ليست نظرة المجتمع أو التنمر فالمتابع يلحظ زيادة بأعداد الراقصين في السنوات الأخيرة، والمشاكل تتخطى ذلك قائلاً لسناك سوري: «المشكلة اليوم أن الرقص ما يزال يعتبر من الكماليات للعروض المصاحبة للغناء مثلا بينما في الخارج هناك دعم اكبر للفرق الراقصة من خلال الدولة وهذه الفرق لديها مركز خاص للتمرين وأجور ثابته تجعلهم مكتفين بالرقص دون الحاجة لوظيفة ثانية كما لا يوجد مدراء يوزعون الأجور بمزاجية. للأسف لا يوجد مساواة بين أجور الراقصين في “سوريا” والتي تعتمد أحيانا على الأقدمية لا على المستوى ولا يفرق بين خريج الرقص والهاوي».
ويتابع أن مدراء بعض الفرق يتقاضون أجوراً مرتفعة بالملايين بينما يأخذ الراقصين “الفراطة” ليس المطلوب أن يتقاضى الراقص ملايين ولكن يجب أن يعطى حق المجهود الذي بذله خلال شهور في التدريبات كما لا يوجد تأمين صحي في حال تعرض أي راقص لاصابة عمل فهو يخسر أجره في العرض ولا يوجد تعويض حتى بنصف الأجر أو تكفل بتكاليف العلاج.
مدراء بعض الفرق يتقاضون أجوراً مرتفعة بالملايين بينما يأخذ الراقصين “الفراطة”، وغالبية الدارسين يعملون بالباطون والخشب لتأمين معيشتهمراقص فضل عدم ذكر اسمه
أغلب الراقصين بسوريا من محافظات مختلفة ويستأجرون غرفاً في “دمشق” والمشاكل تبدأ من السكن إلى الأكل والشرب، ويعمل البعض بأشغال شاقة مثل “الباطون” و”الخشب”، حتى يستطيع تحمل تكاليف الإقامة بالعاصمة لدراسة الرقص وتحقيق حلمه كراقص فيعيش في ظل مفارقات نفسيه وجسدية واجتماعية كلها تأثر سلبا على أداءه في العروض، كما يقول الراقص ويضيف لـ”سناك سوري”: «أتمنى أن يصبح هناك رواتب ثابته وأن يكون المسؤول في الفرق إداري يجيد إدارة العمل وتقسم المهام بطريقة صحيحة وليس راقص سابق يريد أن يصبح مديراً».
وعن تجربته بالرقص خارج “سوريا” يقول: «الوضع والمبدأ مختلف جداً يتواصلون معنا قبل الاحتفال بأسبوع يعاملوني كراقص محترف أذهب فقط لحفظ الخطوات الراقصة، الأجور أعلى بكثير والمدة الزمنية أقصر بينما في “سوريا” التدريب قبل العرض بثلاثة أشهر، مدة أطول وأجور أقل».
اقرأ أيضاً: اليوم العالمي للرقص.. هزّ كتافك وهات مصروف الشهر