يوم سوري في ظل قياصرة الداخل والخارج.. الحياة قرار
سور يفصلنا نحن أبناء طبقة الأقمشة العادية عن الطبقة المخملية
سناك سوري-داليا عبد الكريم
«تازة ياكعيييك، طيب يا كعيييك»، كان بائع الكعك الصغير ينادي بأعلى صوته في محاولة منه لجذب أنظار الزبائن الذين لابد وأنهم شعروا بالجوع بعد جولة سباحة، في موقع “الكرنك” للشواطئ المفتوحة والسياحة الشعبية بمدينة “اللاذقية”.
البائع الصغير كان أنيقاً للغاية، شعره محلوق على الموضة، ومن الواضح أنه حاول ملائمة ثيابه ما أمكن مع الموضة كذلك، وبين ساعات العمل حصل على فرصة استراحة تناول فيها “البزر” وأبحر بنظره نحو مغيب البحر يوم الخميس الماضي، هناك الكثير من التفاصيل كانت ستلفتك بهذا الشاب الصغير أيضاً، الذي يحاول الجمع ما بين أناقة المراهق، وشغف الطفل باللعب، ومسؤوليته في الحصول على دخل من عمله.
«اسمي أحمد، عمري 13 سنة، من حلب وأسكن في اللاذقية منذ بدء الحرب هناك ولم يعد أهلي لأن منزلنا مدمر وحصلنا على عمل هنا»، بدردشة صغيرة بيني وبين بائع الكعك الصغير قال لي ذلك، دون أي تأثر، ربما هي الاعتيادية، أو أن سنه الصغير حين خرج من منزله لم يتح له تذكر أي تفاصيل تجعله يشعر بالتأثر.
يمضي بائع الكعك الصغير في حال سبيله، بخلاف الشاطئ الذي مايزال في موقعه يعاصر كل عام وجوهاً جديدة تنضم إليه، وتسعيرات جديدة أيضاً، يقول صاحب أحد المقاهي الشعبية في موقع “الكرنك” لـ”سناك سوري” مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إن أجار الطاولة الواحدة كان العام الماضي 2500 ليرة، بينما قرروا هذا العام رفعها إلى 4000 ليرة تماشياً مع الظروف العامة، وربما قصد بها ظروف رفع الأسعار!.
اقرأ أيضاً: “خليل” الذي غرس سكيناً عميقاً في قلبي.. سيكبر يوماً – داليا عبد الكريم
سور طويل وبسيط يفصل بين شاطئ أصحاب الطبقة المخملية في المنتجعات القريبة، وبين شاطئنا نحن الذين نمثل الأقمشة العادية، الكثير من التفاصيل تشدك إلى هذا المكان، كأن ترى مجموعات صغيرة من البشر قد التفت حول طاولة بالكاد تحوي قليلاً من البزورات وكم كأس متة، وربما أركيلة، والكثير من الضحكات والقهقهات، إنه الفرح المؤقت قبل أن تخوض غمار الحياة الصعبة مجدداً بمجرد خروجك من متنفسك هذا.
الناس هنا عمليون ديناميكيون، يبتدعون طرقاً غريبة في الكسب وخلق العمل من باطن الأرض، هل كنت لتتخيل أنه وبشراءك طبلاً وعوداً واتقان العزف عليهما، ستجد عملاً؟، بصراحة لم يكن يخطر في بالي الأمر حتى رأيت عدة طبالين يجوبون الشاطئ جيئة وذهاباً، ويعرضون خدماتهم على مرتادي الشاطئ، بألف ليرة أو أكثر قليلاً سيدق الطبال على طبله أمام طاولتك لمدة زمنية معينة يحددها مقدار ما تدفع من نقود.
«النقود ليست كل شيء»، يقول لي أحد الطبالين الذي وبعد ربع ساعة من الدق على الطبل بالقرب من إحدى الطاولات التي تضم شباباً، جلس معهم يتناول المتة والبزورات رافضاً أن يتقاضى منهم أي مبالغ مالية، هو نوع من المبادلات التجارية على ما يبدو.
بـ300 ليرة سورية يبيع صانع الغزلة، الغزلة الزهرية للفتيات الصغيرات اللواتي تجمعنّ حوله يغريهنّ لونها أكثر من تناولها، لا يجد صانع الغزلة حرجاً من طلب هذا المبلغ ثمناً لقطعة صغيرة من الغزلة بعد أن وصل كيلو السكر الواحد إلى 1600 ليرة سورية.
في ظل قياصرة الداخل والخارج، وكل الخطر المُحدق، تُدرك أن الحياة قرار، نحن السوريون بارعون حقاً في الاحتيال، كلٌ يحتال على قدر حاجته وظرفه وموقعه في هذا المجتمع الغريب بتناقضاته، تدخل إلى الشاطئ بغرض المتعة وإراحة تفكيرك وتخرج منه محملاً بالفلسفة والأسئلة.. هل حقاً سيهزمنا قانون قيصر ونحن الذين صنعنا من الكعك والطبل مورد رزق دون أن ننسى حلق شعر رأسنا على الموضة؟.
اقرأ أيضاً: في يوم حقوق الإنسان.. أنا “شقفة مواطن” من حقي نال “سقة القيادي” – رحاب تامر