ملّيت من هالوطن يلي ما فيه كهربا ياماما.. خطط السفر تُباغت أطفالنا
كل الأطفال في محيطي تقريباً يفكرون بالسفر بعد البكالوريا.. أي مستقبل ينتظر هذه البلاد؟
“ماما ملّيت من هالوطن، مافيه كهربا، ولا عيشة متل يلي بشوفها باليوتيوب”. باغتتني طفلتي ذات الـ9 أعوام، بتلك العبارة متذمرّةً من يوم شتوي بارد أودت العاصفة خلاله بساعة الكهرباء. وجعلتنا بالكاد نرى بعضنا على ضوء خافت لقلّة شحن البطارية حيث نعيش في مكان ما داخل سوريا.
سناك سوري-رحاب تامر
في حوار طويل جرى بيننا حول المقصود من “العيشة يلي بتشوفها بيوتيوب“. تبيّن أن طفلتي الصغيرة لا تبحث عن تفاصيل خارقة للطبيعة. فهي تريد “ناس فرحانة”، مدرسة ملونة، معلمة لطيفة بتضحك ما بتعيط. “ونزلة مشوار كل ما اجا على بالها”.
“خبرونا إنو لازم نحب بلدنا، بس يا ماما بلدنا يلي بالكتاب ما بيشبه هالوطن”. اكتشفت طفلة الـ9 أعوام الحلقة المفقودة بسرعة قياسية. لم نكتشفها نحن أبناء الثمانينيات والتسعينيات. إذ يبدو أن جيل الألفية أكبر “عقلاً”.
المشكلة الحقيقية ليس فيما تفكر فيه طفلتي الصغيرة. بل بهواجس السفر التي تشغل بال الأطفال اليوم في سوريا. فابنة شقيقتي هي الأخرى تنتظر أن “تكبر قليلاً وتاخد البكالوريا وتسافر”. أصدقاء طفلتي في المدرسة كل واحد فيهم وضع مخططاً للسفر. من اختار العراق، وآخر يريد دبي، وأخرى تريد الانتقال إلى ألمانيا.
والأكثر إيلاماً، الفرز الموجود لوجهات السفر المرتقبة، فالشاطر سيصل أوروبا لذا عليه أن يدرس أكثر. ومن يريد العمل والشهرة سيذهب إلى دبي. أما الكُسالى في صفوفهم، فيريدون لبنان أو العراق لأن “هناك في شغل منيح للكل”.
طفلة أخرى في التاسعة من عمرها، أخبرتني أنها تريد السفر إلى أوروبا، لقد شاهدت الكثير من أنواع الطعام اللذيذ هناك. “وهون يا خالتو إمي بتقلي ما في منو، عن جد مافيه شوكولاتة للسندويش طيبة؟”.
أذكر نفسي وقد خططت في طفولتي في مثل عمرهم اليوم أن أصبح صحفية وفعلتها. ربما هم أيضاً سيفعلونها ويهاجرون.
أي مستقبل ينتظر هذه البلاد التي يخطط أطفالها منذ نعومة أظافرهم للسفر منها ومغادرتها. وما هو دور المناهج التعليمية الممتلئة بمفردات الانتماء للأرض. أذكر أن ابنتي أتت إليّ ضاحكةً وهي تخبرني “يا ماما تخيلي طلعت كلمة فسيفسائية كلمة حلوة للوطن، وأنا كنت مفكرتا كلمة بذيئة”!.
قبل نحو الشهر حصلنا أنا وطفلتي على جواز السفر للمرة الأولى، بناءً على وعد تلقاه زوجي بسفر قريب إلى دول الخليج. ومنذ ذلك الوقت ونحن نتناقش أمامها، فأنا الطامحة للسفر منذ وقت طويل انتابتني مشاعر غريبة وأخبرته بأني لا أريد السفر. لتنتفض الطفلة أمامي وتهددنا بشكل واضح. “صار معي جواز السفر، معكن لأول الصيفية، إذا ما طلعتوا، أنا طالعة على دبي أو ألمانيا بس سكرت المدرسة”.