محفظة هيام لم تسعفها للاحتفال باليوم العالمي للكتاب
ليس الخبز واللحم والفواكه فقط.. لتستمع بكتاب جميل تحتاج للمال أيضا
سناك سوري-رهان حبيب
شردت مع غلاف كتاب مترجم عن رأس المال وهي أحد التجارب لمترجم شاب تواصلت معه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والذي أخبرها بوصول عدة نسخ إلى مكتبة “المعرفة” التي تعودت زيارتها في مدينتها، لكنها لم تخاطر بمحاولة الشراء خاصة أنها لم تجد في محفظتها إلا بضع آلاف غير كافية لقليل من الخضار وثمن صبغة شعرها التي أجلتها من أسبوعين.
تتذكر “هيام” في طريق عودتها تسعينيات القرن الماضي (ياه أصبح ألبوما واسعا) من كلية الآداب إلى شارع النصر إلى سوق الحميدية رحلة لا يمكن أن تكتمل دون التوقف بجانب بسطات الكتب القديمة، التي اشترت منها عدداً جيداً من الكتب ومجلات قديمة أضافتها إلى مجلة “العربي” الكويتية التي كان والدها يحرص أن يحصل عليها كعدد شهري، لكنها أيضا تذكرت أن الخمسة عشر ليرة في ذلك الزمن أيضا لم تكن سهلة على راتب موظف يسابق الشهر ليكمل مصاريف ثلاث طالبات في الجامعة.
الموظفة التي وجدت في سعر الكتاب البالغ خمسة آلاف ليرة ثقلاً جديداً، وأجلت الفكرة لبداية الشهر وتعرف أن التأجيل سيكون لفترة قادمة لأنها لا تتوقع أن الميزانية ستتحسن بين شهر وآخر، فالطلبات المؤجلة باتت قائمة طويلة تشبه رسائل الجوال كلما زادت عن الحد المطلوب يتم حذف الأقدم بشكل تلقائي.
بوقوفها أمام واجهة المكتبة تذكرت في اليوم العالمي الذي صادف أمس الجمعة، والدها الذي كان يزور المركز الثقافي الروسي في “السويداء” كل شهر أو أكثر بناء على دعوة صديق أخبره أن المركز يعرض منشورات للأطفال وفئات عمرية مختلفة مجموعة من الإصدارات بأسعار مجانية أو رمزية بطريقة وجدها مناسبة، ليقدم لبناته الأربع مجموعة من الكتب الجيدة للمطالعة خلال العطلة الصيفية، يجلبها حزمة من الكتب يقيدها بخيط قنب كانت حلواه التي يفرحهم بها، ويعرف أنه جلب لنفسه عملاً جديداً ليكون ووالدتهم جاهزين للإجابة على معنى هذه الكلمة أو تلك، خاصة ما كان منها واصفاً لحياة المجتمع الروسي وتفاصيل ومصطلحات تسللت من أفكار لينين وماركس عدا عن تلك الأساطير التي بقيت في ذاكرتها بعنوان “أسطورة راكبي الخيل” وهي منشورات كتب عليها للفتيان غاب عن ذاكرتها اسم مؤلفها.
اقرأ أيضاً: غاز وبنزين ومازوت.. الرفاهية الهشة تنتهي في حياة هيام!
الموظفة في دقائق الوقوف انتبهت أنها ولأكثر من عام مضى لم تشترِ كتاباً ولم تشارك حفلات توقيع الكتب التي تدعى إليها من قبل كتاب زملاء أصدقاء ومعارف، لسبب بسيط أنها لم تعد لديها القدرة المالية لتغطية هذه الحفلات مع أنها لسنوات طويلة كانت تشارك بدافع الدعم والتشجيع لمن آمن بالكلمة والكتابة كفعل ثقافي، قادر على إدارة عجلة الأفكار لمساحات وفضاءات جديدة، لكنها اليوم غيرت هذه العادة كما غيرت عادتها مع صديقة مقربة لزيارة أي كافيه أو مكان للترفيه للتجربة وفي حال الاستمتاع يكرران الزيارة.
خلال الشهر الفائت زارت معرض وزارة الثقافة الذي جرت العادة منذ سنوات على إقامته بتخفيضات كبيرة لكتب لم تجد طريقها للرواج، لكن زيارتها جاءت متأخرة لتجد عددا بسيطا من العناوين التي لم تجد فيها ما يرضي رغم انخفاض السعر، وتذكرت حديثها مع صديق مقرب تمنى لو أن دور النشر الكبرى تقيم معارض بهذا الكم من الحسومات للعناوين التي عجزت محافظتنا عن تلبيتها ونحن بأمس الحاجة لمطالعتها، وهو الكاتب الذي يحتفظ بمجلدات رواياته دون القدرة على نشرها أو الحصول على جهة تتبنى مخطوطاته.
تستغرب “هيام” بعد تنهيدة طويلة أين سارت بها الأفكار ولا تعرف كم طال الوقت بها عندما التقطت عينها صورة غلاف “مرداد” لميخائيل نعيمة و”البراري” لمحمد رضوان”، وعناوين حصلت عليها من خلال الشبكة العنكبوتية لتقرأ ما راق لها بتكلفة بسيطة رغم فاتورة تدفعها بصعوبة، الرؤية أرهقتها لكنها تتحملها عن طيب خاطر للحصول على ساعة أو أقل في اليوم الواحد بات الانترنت مصدرها الوحيد مادامت الميزانية في تراجع.
فهي تعلم جيدا أن المطالعة من خلال شاشة جهاز الكمبيوتر أو الجوال الذي جعلت الخط في أكبر درجة ممكنة، مرهق لعينها بالاستعانة بنظارة وهي الفاتورة التي تدفعها مقابل شعور طيب قبل النوم أو لملاقاة الصباح بعد أن تعجز عن النوم بعد الخامسة في عادة قديمة تعودتها، ولاتنكر متعتها كبداية لأيام قاسية ومرهقة مثل هذا اليوم الذي لم تسعفها المحفظة بما يليق بالاحتفال بعيد الكتاب بشراء كتاب والظهور بصورة المثقفة والتباهي بحمل كتاب مشرق الغلاف.
اقرأ أيضاً: هيام تخوض 3 معارك كل يوم.. مع الكهرباء والمياه وتطبيق وين