في ليلة العدوان باغتتني الطفلة بسؤال: هل سنموت اليوم؟
4 ساعات تحت نيران العدوان على مصياف
“خالتو هدول يلي بيضلوا يقوصونا ليش عم يعملوا هيك، أنا خايفة انت شو؟”. باغتتني ابنة شقيقتي بهذا السؤال، بينما كنا ندور بحلقة مفرغة، لا ندري أين نذهب ولمن نلجأ. وسط أسئلة أكبر تدور في مخيلتنا، هل سيسقط المنزل فوق رؤوسنا بعد قليل. وتكتب أسماؤنا في ورقة نعوة صباح اليوم التالي؟ حسناً لقد مضى الأمر، أو هكذا نعتقد.
سناك سوري-حماة
“ميمي” كأي طفلة سورية أخرى، نامت وزميلاتها بفرحة الاستيقاظ باكراً للذهاب إلى المدرسة في يومها الثاني. جهزت كل أغراضها بمتعة فريدة من نوعها، أدهشتني أنا ووالدتها، ثم نامت ولم تكد تمضي ساعتين حتى استفاقت مذعورة. تسألنا عما يحدث، في الوقت الذي كنا مثلها نبحث عن إجابات. في مثل هذه الظروف من السذاجة والقول إن الأطفال وحدهم من يخافون.
توالت الاتصالات في بلدتي مصياف، عبثاً نجد إجابات شافية بينما نحاول الاطمئنان على أهلي في الحارة المجاورة، أصوات سيارات الإسعاف تخبرنا أن الوضع أكثر خطورة، من مجرد عدوان عابر.
تهافتت التخيلات عما يجري في الخارج، لا أحد منا يجرؤ الاقتراب إلى النوافذ. الفيسبوك وحده ملجأنا لنعرف ماذا يجري، سرعان ما بدأت الأخبار بالضخ، مازاد من مخاوفنا، بعد 13 عاماً من الحرب والتفجيرات، وسط سؤال الطفلة هل سنموت اليوم؟.
هدأت الأمور قليلاً، أو غالباً بعد مضي ساعة من الزمن نجحنا بالتأقلم، أكثر ما نتقنه هنا. الناس تهافتت إلى الشوارع هلعاً، وآخرون ذهبوا بقصد المساعدة، ليبرز منشور أحد الجيران الذي يطلب تأمين إبر الكزاز للمشفى الوطني بسرعة.
فالناس الذين أصيبوا بالشظايا كُثر، ويحتاجون الحصول على إبرة الكزاز بسرعة تفادياً لأي مضاعفات. يبدو أن الوضع في المشفى لم يكن بأفضل حال، مصابين وشهداء، وأمهات ينتظرن أن يخبرهم الطبيب بأن ابنهم بخير. للأسف لسنَ جميعهن محظوظات، بعضهنّ أطلقن صرخات أقسى بكثير من أصوات الانفجارات في الخارج.
انتهت ليلة الرعب، والعدوان على مصياف توقف، ها هي الساعة تشير للثالثة والنصف ليلاً تقريباً، هل سننام حقاً؟ هل انتهى كل شيء الآن؟ هل من الطبيعي أن ننام لأن العدوان انتهى!
أنا لم أنم، بقيت بانتظار الصباح، الصباح الذي أنتظره وبقي أبناء بلدي منذ 13 عاماً، لكنه لا يأتي أبداً كما نريده. ففي صباحنا اليوم، هناك ثلاثة شباب من جيراني وأصدقائي رحلوا مع أحلامهم وآمالهم بصباح قادم دون أن يدركوه.
لقد فقدنا “أحمد القرق” الذي كان يمضي إجازة في سوريا قادماً من غربته. و”عبد الله القهوجي” لن يذهب ليبيع في دكانه الصغير وسط السوق. أما “مجد الراشد” فلن يعود للعمل في المنشرة.
لقد غادرنا هؤلاء الشبان المدنيون إلى الأبد، لا ذنب لهم إلا أنهم سوريون. نعم سوريون خسروا حياتهم نتيجة عدوان إسرائيلي استهدف بلادهم.
شأنهم شأن 3 شبان آخر من عائلة “مرهج”، نزار وشقيقه أحمد وابن شقيقه عزيز، الأقارب الذين يعملون في محل لبيع إطارات السيارات. كانوا بأمان قبل أن يباغتهم العدوان فيغادر الابن مع والده وعمه الحياة، لم يفتتح محلهم بعد، يشتاقهم كما تشتاقهم أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم.