أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

عسكرة الإدارات العامة في مواجهة إصلاحها _ فراس سلمان

وزير يعاقب المخالفين بالانتظار .. وقادة المواقع الإدارية لا يعلمون الكثير عن وظائف الإدارة

يشبّه عسكري شاب تصريح أحد الوزراء بطريقة قائده في القطعة بمعاقبة الأشخاص قائلاً «هالوزير متل معلمنا» ما يفتح باب التساؤل حول طريقة إدارة المؤسسات العامة ومشابهتها للمؤسسات العسكرية.

سناك سوري – فراس سلمان

ففي إحدى الاستراحات وبينما كنت أنتظر مع عدة أشخاص عامل البوفيه ليحضّر المشاريب. كانت تعرض شاشة الاستراحة برنامج على الفضائية السورية يستضيف وزير التجارة الداخلية (الأسبق) والذي كان يروي قصة مفادها أنه تم ضبط موظفين في أفران ابن العميد يقومون بتهريب كميات من الخبز التمويني لبيعها بأسعار أعلى.

وعندها سألت المذيعة ضيفها الوزير عن الإجراءات المتخذة بحقهم أجابها مبتسماً “استدعيتهم على مكتبي ونطّرتهن لآخر الدوام بعدين قلتلهن الله معكن!!!” وفي هذه اللحظة قال ذلك الشاب لصديقه ضاحكاً “هالوزير متل معلمنا” ثم خرجا واستقلّا سيارة لا يخفى على السوريين تبعيتها لجهة أمنية.

ومن ناقلة القول أن التأكيد على الالتزام بالقانون هو من المهام الأساسية للسادة الوزراء، باعتبار أن كل منهم هو الرئيس الإداري الأعلى في وزارته، وأن قانون العاملين يفرد باباً مخصصاً للعقوبات الإدارية التي تبدأ بالتنبيه الشفهي وتصل حد العقوبات الشديدة.

تجد مديريات ومؤسسات تصدر (أمراً إدارياً) رغم أن الأمر الإداري مفهوم عسكري يصدر عن القيادة العسكرية، فيما القوانين الإدارية حصرت ما يصدر عن الإدارة العامة بالقرار والعقد الإداري.


ما المقصود بعسكرة الإدارة؟

من المعروف أن هنالك ما يسمى بالأسلوب الإداري والذي ينعكس في منطق وأساليب عمل القائمين على المؤسسة كما ينعكس على محرراتها ومراسلاتها. فعلى سبيل المثال كتاب “جينوم المؤسسات” قسّم أسلوب عمل المؤسسات إلى سبعة أنواع من بينها المنظمات العسكرية، حيث تغيب القواعد الأساسية للإدارة وتحل محلها أساليب عسكرية.

وللأسف فهنالك أمثلة كثيرة على انتشار هذا الأسلوب في مختلف المستويات الإدارية، فتجد مديريات ومؤسسات تصدر (أمراً إدارياً) رغم أن الأمر الإداري مفهوم عسكري يصدر عن القيادة العسكرية، فيما القوانين الإدارية حصرت ما يصدر عن الإدارة العامة بالقرار والعقد الإداري.

كما تجد إدارات تستخدم تعابير مثل تنفيذ الأوامر والتقيد بالأوامر الإدارية بينما القوانين والأنظمة الداخلية التي تحكم عملها تستخدم مفهوم التوجيه والذي يعد أحد وظائف الإدارة الخمسة، والتي يبدو أن العديد ممن استلموا مواقع إدارية حتى في زمن التنمية الإدارية والتعيين على أساس الاختبارات والمقابلات لا يعلمون عنها ما يكفي. فراس سلمان

 

كما تجد إدارات تستخدم تعابير مثل تنفيذ الأوامر والتقيد بالأوامر الإدارية بينما القوانين والأنظمة الداخلية التي تحكم عملها تستخدم مفهوم التوجيه والذي يعد أحد وظائف الإدارة الخمسة، والتي يبدو أن العديد ممن استلموا مواقع إدارية حتى في زمن التنمية الإدارية والتعيين على أساس الاختبارات والمقابلات لا يعلمون عنها ما يكفي.

وظائف الإدارة _ تصميم سناك سوري

فتجد بين هؤلاء المدراء من يتصرف بعقلية القائد العسكري فيصدر الأوامر (القرارات) بدون مشاركة أو علم بقية الإدارة. كما أنه يتعامل مع موظفيه بعنف وشدة ولا يقبل نقاش، ولا يتبع المسار الهيكلي الوظيفي فيتدخل في كل صغيرة وكبيرة بشكل مباشر. ويظن أن التذاكي هو الأسلوب الأمثل للتعامل لأنه يعتبر الشفافية ضعفاً ونوع من الخرق للمعلومات.

وأضف إلى ذلك العديد من السلوكيات الإدارية التي ترتبط عادة بمظاهر تكرس هذه الذهنية العسكرية، ومن أشهرها تلقيب المدير العام بالمعلم في كثير من المؤسسات، مع ما يرافق ذلك من مظاهر وسلوكيات تواكب هذا اللقب.

عسكرة ما لا يعسكر

إذا كانت المؤسسات العامة تعمل وفق القوانين والأنظمة والأعراف المحلية، فإن لبعض المنظمات كالمطارات والمشافي وحتى الجامعات أنظمة للإدارة والتشغيل تقوم على معايير وبروتوكولات موصوفة بدقة بالغة، ويترتب على مخالفتها العديد من المشكلات خاصة عند تعاملها مع أطراف خارجية.

الطبيب المقيم في السنة الأولى يناوب في مختلف الأقسام ليلاً، فيما لا يناوب زملاؤه الأقدم باعتبار أن لديهم سلطة (المتقدم) عليه

فنظام إدارة المستشفيات، مثلاً، يسهم في تحسين أداء المؤسسات الطبية وتيسير العمليات الصحية. وله دور كبير في تحسين جودة الرعاية الصحية وتسهيل العمليات الإدارية. وذلك عن طريق التنظيم والتنسيق بين مختلف الأقسام والخدمات داخل المستشفى. مما يتيح للمؤسسات الصحية تيسير عمليات التشخيص والعلاج.

وفي عالم اليوم تتيح التطبيقات الرقمية إطاراً تنظيمياً وتكنولوجياً متكاملاً لإدارة المؤسسات الصحية. لكن على ما يبدو فإننا لا نعيش عالم اليوم في كثير من إداراتنا العامة ومنها المشافي العامة التي تحولت تنظيمياً إلى هيئات مستقلة لكنها ما زالت تتلقى الأوامر الإدارية من مديريات الصحة!.

أما على صعيد التسيير الداخلي لهذه المشافي فمن الأمثلة ظاهرة ترك الطبيب المقيم في السنة الأولى يناوب في مختلف الأقسام ليلاً بما فيها الإسعاف، فيما لا يناوب زملاؤه المقيمون في السنوات التالية باعتبار أن لديهم سلطة (المتقدم) عليه، تماماً كما يحدث في المؤسسات العسكرية بين الرتب.

المستشفيات ذكرتها كمثال فقط، فهذه الظاهرة يمكن أن تنسحب على العديد من المؤسسات الأخرى، فكيف لو مررنا على المحافظين من الضباط المتقاعدين وغيره. فمن أين أتت هذه العقلية الإدارية؟ وهل هي جيدة وسليمة؟ وإن لم تكن، فكيف يمكن التخلص منها؟ وكيف يمكن أن تصبح صورة مؤسساتنا عند إقصاء هذه العقلية من إداراتها؟.

زر الذهاب إلى الأعلى