مشعل تزوج ابنة عمه فأنجب طفلين مصابين بأمراض وراثية فتوقف عن الإنجاب وتزوج مرة أخرى فقاطعته عائلته
سناك سوري – شاهر جوهر
لقي مشعل (39 عام) معارضة كبيرة من أقاربه حين قرر الزواج من خارج العائلة، وحين أصر على ذلك تبرأت منه العائلة وقاطعه غالبية أفرادها.
يصف “مشعل” في حديثه مع سناك سوري، زواجه الأول بالجريمة بحق أطفاله: «لقد تزوجت ابنة عمي، وأمي وأبي أبناء عمومة وكذلك جدي وجدتي فهم أقرباء من الدرجة الأولى، وهذا الأمر خاطئ، أنجبت من ابنة عمي ولدان مريضان، الكبير (14 عام) لديه إعاقة ذهنية والآخر لديه صعوبة في الفهم والإدراك، و لهذا أوقفت الإنجاب كي لا أظلم أولادي، وقررت الزواج مرة أخرى من خارج العائلة الأمر الذي دفع عائلتي وأقاربي لمقاطعتي».
وإن كان “مشعل” قد نجح في تأسيس أسرة ثانية رغم مقاطعة أقربائه له، فإن والدة أطفاله قد لا تملك خيار البدء من جديد أبداً، وخطوته هذه ستلحق الكثير من الأذى بأبنائه من زوجته الأولى الذين لا ذنب لهم بما حدث ومن حقهم الحصول على كل الرعاية اللازمة.
يُعد زواج الأقارب من الموروثات الثقافية القديمة التي لم يستطع قسم كبير من سكان “القنيطرة” التخلص منها حتى الآن، حيث هناك العديد من العائلات المنغلقة على نفسها والتي تشكل أشبه ما يكون بتجمعات عائلية يمنع الاقتراب منها و التفكير في مصاهرتها من خارج العائلة.
وهذا الزواج يتمثل بزواج أبناء وبنات العمومة وأبناء وبنات الأخوال والخالات وأبناء وبنات من نفس العشيرة، ويعود ذلك بفعل الأعراف العائلية و العشائرية التي تواترت على الاستمرار بتلك العادات، وكذلك لأسباب أخرى يراها البعض دينية رغم عدم وجود نصوص دينية صريحة تؤكد حض الدين على هذه العادة.
و في جولة لسناك سوري في “القنيطرة” رصد أن هذه العادات المتأصلة في طبيعة المجتمع، تختلف وتتباين من منطقة إلى أخرى في نفس المجتمع، حيث تزداد في الريف الجنوبي والأوسط وتقل نوعاً ما في الريف الشمالي، ويعتبرها ناشطون محليون من أكثر العادات إجحافاً بحق الأطفال لما لها من آثار جينية خطيرة على حياتهم.
مخاطر جينية
تزيد زيجات الأقارب بشكل ملحوظ من مخاطر العيوب الخلقية والتشوهات عند الأطفال، فأكثر الأمراض الجينية المنتشرة في القنيطرة اليوم تلك التي تطال العيون من عمى وعمش و حَوَل في العينين، كذلك الطرش و الصمم والفشل الكلوي والكبد فضلاً عن التشوهات الخلقية والذهنية والثلاسيميا وتشوهات خلقية وهي جميعها تكاد ترتفع بشكل كبير في الأحياء الريفية المنغلقة في ريفي القنيطرة الأوسط والجنوبي.
اقرأ أيضاً: أربع عادات تقليدية للزواج في سوريا لابد أن تتعرف عليها
الطبيب “شادي بكر” يوضح لسناك سوري الكثير من الأخطاء الجينية والأمراض الوراثية الناتجة عن زيجات الأقارب، ومنها: «إعاقات فكرية، و الإصابة بفقر الدم المنجلى، و الإصابة بأنيميا البحر الأبيض المتوسط والمعروفة باسم الثلاسيميا Thalassemia، وكذلك زيادة فرص الإصابة بمرض الجلاكتوسيميا Galactosaemia، وهو مرض وراثي يسبب اضطراباً فى عملية الهضم والتمثيل الغذائي فى الجسم. وأيضاً الإصابة بداء ويلسون Wilson’s Disease أو التنكس الكبدي، كما تبين من خلال الأبحاث الطبية مؤخراً أن من يصابون بالصرع ومرض السكري وارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال تكون أكثر شيوعاً في العائلات التي يكثر فيها زواج الأقارب».
خذلتنا الإحصاءات المحلية
تشير الإحصاءات عالمياً إلى قرابة 8 مليون ولادة سنوياً تعاني من وجود خلل وراثي المنشأ أو خلل وراثي جزئي، وكذلك ارتفاع في معدل انتشار الاضطرابات الوراثية مثل الأمراض الهيموغلوبينية (كالثلاسيميا، وفقر الدم المنجلي). وعربياً تبلغ نسبة زيجات الأقارب من الدرجة الأولى بمعدل النصف، أي بقرابة 49 – 50 في المائة.
حاول “سناك سوري” التواصل مع عدة جمعيات أهلية في “القنيطرة” مهتمة بمجال الصحة والتثقيف الصحي، لكن تبين أن جميع تلك الجمعيات لا تمتلك أرقام لو تقريبية لعدد الأطفال المصابين بأمراض وراثية أو عدد تلك العائلات.
ولإلقاء نظرة على تلك الظاهرة التقينا العديد من الأشخاص في عدد من الأحياء الريفية في “القنيطرة” ممن يكثر بها زواج الأقارب من الدرجة الأولى، وفي حي صغير في قرية “صيدا الجولان”، مكون من 72 عائلة تم رصد 69 عائلة اتبعت أسلوب زيجة الأقارب من الدرجة الأولى، كما تم تسجيل أكثر من 8 أطفال يمتلكون مشاكل ذهنية سببها عوامل وراثية، كما يوجد في الحي أكثر من 6 أشخاص بينهم أطفال يعانون من خلل وراثي في السمع كالصمم والطرش في حين تتسم المواليد لدى ذاك الحي بقصر كبير في القامة أقل من المعدل الطبيعي.
وفي حي آخر في قرية “المعلقة” تبين أن 90% من سكان الحي متزوجون من أقاربهم لعدة أجيال، الأمر الذي خلق صعوبات كبيرة في التعلم لدى الأطفال، وتقول “فاطمة” معلمة في المدرسة القريبة من الحي: «يعاني طلاب الحي قياسا بباقي الأحياء الأخرى من صعوبات بالغة في الفهم والاستيعاب والتعلم، مع مرور الوقت كلما جاء طالب جديد من ذاك الحي كنا كطاقم تدريسي ندرك أنه يعاني من صعوبات في التعلم بسبب أخطاء وراثية نتيجة زيجات الأقارب، لهذا كنا نتعامل معهم بطريقة مختلفة».
بين عدم اكتراث وبين مطالب بنسف تلك العادات
يأخذ بعض السكان في “القنيطرة” القضية بنوع من عدم الاهتمام أو الاكتراث، ففي بلدة “الرفيد” قال “سالم النعيمي” (65 عام) إن «التشوهات التي تصيب الأطفال هي خلقة رب العالمين ولا اعتراض على حكم الله، الجميع يتزوجون من أقاربهم وهو أمر جيد للعزوة ولتماسك العائلة والعشيرة».
بعد الحرب تفاقمت تلك الظاهرة ذلك لأن كثير من تلك العائلات تفكر بما يفكر به “سالم”، فالحرب أودت بحياة كثير من أبنائهم لذا أخذوا يلجؤون الى زيجات الأقارب بحثاً عن القوة ولتمتين شوكة العشيرة في ظل الأوضاع الأمنية السيئة في المنطقة.
أما في بلدة “نبع الصخر” في ريف “القنيطرة” الأوسط يبدو وعي السكان أكثر خطورة تلك الظاهرة، ومع ذلك تم تسجيل عدة أحياء صغيرة منغلقة اجتماعياً وتتبع أسلوب زيجة الأقارب، وعند سؤال “أبو علي” أحد وجهاء البلدة قال: «نحن المنافي (وهي عشيرة)، نمتلك عادات اجتماعية آن الأوان لتتغير، وخصوصاً فيما يتعلق بالمصاهرة المتواترة، فزواج الأقارب ظاهرة مقدسة لدى كثير من العائلات هنا، لهذا على الشباب المثقف أن يقول كفى لمثل هذه العادات، أو المباعدة قدر الإمكان في ذلك».
يذكر أن حملات توعية كثيرة أطلقت في سوريا خلال العقود الماضية للحد من زواج الأقارب وما يترتب عليه من مخاطر على الأبناء، إلى أن هناك مجتمعات ماتزال إلى يومنا هذا ملتزمة به.
اقرأ أيضاً: تعرف على أهم عشر خرافات في سوريا