حسين حمزة السوري الهارب من الانتحار… الفنان يجب أن يكون حراً
حسين حمزة… مؤلف “تعب المشوار” والنادم على ما كتب من أشعار
سناك سوري – عمرو مجدح
عبر برنامج “أغانينا” الذي عرض على الشاشات العربية عام 1986 وتقدمه الممثلة المذيعة “مادلين طبر” قال الشاعر السوري الراحل حسين حمزة : «الأغنية مثل الأكسجين للنفس البشرية، للولادة نغني للموت نغني لاستمرار الحياة نغني للحرب وللسلم لكل حالاته الإنسان يغني أعطني شعبا لا يغني؟».
ولد “حسين حمزة” وهو شاعر غنائي سوري وكاتب مسرحي غنائي وفنان تشكيلي عام 1940 رأت عيناه نور الدنيا لأول مرة بقرية “كفر شمس” في محافظة “درعا”، وهو أبرز أصوات الشعر المحكي في سورية، وعلى الرغم من مغادرة الشاعر قريته وهو طفل صغير بعد وفاة والدته بقيت “كفر شمس” حاضرة في أشعاره ومنها قصيدة “البنت الشمساوية”.
اقرأ أيضاً: قراءة في مذكرات فريد الأطرش – عمرو مجدح
الشعر في الدراما
مع بداية الدراما السورية، ظهر صوت حسين حمزة من خلال مداخلات شعرية ضمن المشاهد التمثيلية في مسلسل “حارة القصر” عام 1969 ما لفت الانتباه إلى موهبته الشعرية وصوته المميز وطريقة إلقاءه الخاصة التي تضيف لحوار العمل بلغته الشاعرية “المحكية”.
هذا النجاح دفع القائمين على الدراما لتكرار التعاون معه في عدة أعمال أبرزها مسلسل “البيادر 1975، فوزية 1977” كما كتب كلمات أغنيات مسلسل “سمرا” للفنانة “سميرة توفيق” 1977 ومقدمات مسلسلات “الهجرة إلى الوطن” عام 1987 ، “غضب الصحراء” في عام 1989، كذلك مقدمة ونهاية “الأجنحة” 1991 و”الخشخاش” و”سحبان السرحان”، كما ألف المسرحية الغنائية “عرس التحدي” من بطولة “سميرة توفيق” و”وديع الصافي” 1977، المأخوذة عن ديوان أرض المطر والحاصل على الجائزة الأولى في مسابقة وزارة الثقافة السورية عام 1967.
أما عودته للدراما التلفزيونية ولكتابة شارات المسلسلات بعد انقطاع وغياب طويل فكانت من خلال مسلسل “بيت جدي” 2008 حيث ظهر في مقدمة العمل بصوته الأخاذ وقد أكسبت عوامل التقدم بالعمر صوته تميزا وهو يقول بحرقة وتعب السنين :
“عتبان قلبي عالبشر كلها
نسوانها ورجالها
كبارها وصغارها
وشايلين حمالها
ويلي زرع فينا البلاوي وهج وتخلى
عتبان قلبي ع البشر كلها”
اقرأ أيضاً: سليمان العيسى.. شاعر الطفولة الذي كتب أولى صفحات البعث بيده
يقول الشاعر في قصيدته “تمرى بجارك” وهو يحاكي الواقع السوري :
مين المظلوم بحارتنا؟
مين المحروم بديرتنا؟
مين البايع؟ مين الشاري؟
مين الضايع؟
مين الصايع؟
مين تشرد بالشوارع؟
مين بيبدى بالتغيير؟
ومين بيبدى بالتعمير؟
تعمير الإنسان.. وتعمير الوجدان
الشعر الغنائي
كتب حسين حمزة العديد من الأشعار الغنائية وتعاون مع أشهر مطربي سوريا والوطن العربي وكما صرح في إحدى اللقاءات التلفزيونية أنه كتب اغنية “مر بطريقك” لسيدة “فيروز” وتمنى أن تغنيها يقول فيها:
” مر بطريقك يا نوم عجفوني السهراني
قبل اليوم وبعد اليوم بعرف شو بكاني
لا بعتب عحدا ولا دمعي بينهدا
مر بطريقك يا نوم ”
من أشهر أشعاره المغناة “تعب المشوار” التي لاقت نجاحاً كبيراً في سوريا بصوت الفنان “غازي فؤاد” كما قدما أغنية “حلمك علينا يا بحر”.
تعاون “حمزة” مع سمراء البادية “سميرة توفيق” في عدة أغاني أبرزها ، “يا زمن أريد اشتكيلك”، “صب القهوة”، “ديرة هلي”، “أداري والزمن داري”، “إسوارة ذهب” ، “يحكيلي عنه”، “يا هوا العشاق”، “توبة يالتسامح”، “هلاله دمع عتب” كما قدم لـ”فاتن حناوي” شقيقة المطربة “ميادة الحناوي” أغنية “خطوتين بيني وبينك” وتعاون مع “فهد بلان” بـ”بحر الهوى بحري” ، ودمع الليالي ومع المغنية اللبنانية لورا حاتم “تعا يا نوم العينيين”، و”ضيعوك” غناء “فؤاد حجازي” و”الياس كرم” بأغنية “من غير وداع” و”شفتك مرة” لـ”نصري شمس الدين” وألحان “ملحم بركات”.
اقرأ أيضاً: خالدة سعيد أيقونة النقد العربي: تأملت في نص لأدونيس سنوات طويلة
انتكاسة الأمة العربية والفن
في اللقاء ذاته مع “مادلين طبر” يُسأل “حسين” عن الأغنية العربية ودورها فيجيب منذ ذلك الوقت:«الأمة العربية تمر بانتكاسات متلاحقة وكذلك الأغنية العربية، الأغنية فاعلة ومنفعلة وليست بعيدة عن الأحداث وليست فوق الأحداث وهنا يكمن دور الشاعر والملحن أن يكونا ضمن الأحداث أو يتجاوزاها وإما يكونا قادة أم مقادين، الأغنية العربية حتى تتمتع بدورها الحضاري يجب أن يكون الفنان بداخله حر وقوي وجريء».
التغييب الإعلامي
منذ منتصف التسعينات عانى “حمزة” من التهميش والتعتيم الإعلامي ما دفعه للهجرة والعودة لإحدى هواياته القديمة بالفن التشكيلي وفي لحظة يأس عبّر في حوار مع جريدة “القدس العربي” 1999 عن أسفه عما سبق وكتبه من شعر ومتحدثا عن الفن التشكيلي قائلا:«ضفة الفن التشكيلي هي الصديق الدائم. لأنني تخليت عن صديقي السابق الشعر. وجميل أن يخلع الإنسان بعض الأصدقاء أحيانا».
لأن الكلمة الشعرية فقدت الكثير من فاعليتها. عصرنا الكريه أشد وأغرب وأعمق وأكثر تجريدا من أي صورة شعرية أو كلمة. وبنفس الوقت لم أعد للرسم من أجل اثبات شيء جديد أو إضافة مقولة جديدة. فكل ما سيقال قد قيل، إلا أنني أمارس الرسم من أجل ألا أنتحر “فشة قهر” يعني.
أربعين سنة وأنا أحكي. كم سنة يستطيع المرء أن يتكلم؟ الكلمة أصبحت عاهرة. تسع مجموعات شعرية لم أطبع منها ولن أطبع وسأتركها لتأكلها الصراصير والعناكب. وأتمنى أن ينسى كل من حفظ لي سطرا وآسف على كل سطر كتبته. ولكن لا حياة لمن تنادي».
رحل الشاعر حسين حمزة عن عمر ناهز 74 عاما ونشرت إحدى الصفحات التي تحمل اسمه على موقع الفيس بوك: “رحل وحيدا وغريبا عن بلاده بهدوء وألم في شباط 2014 وكأنّهُ يُماثل جملته الشعرية التي كتبها ذات يوم:«متل الحجر بتعيش … متل الحجر بتموت… مافي إلك تاريخ …مافي إلك تابوت».
اقرأ أيضاً: بدوي الجبل.. الشاعر الذي أغضب أم كلثوم