جمال رزق.. المرأة التي حفرت بالصخر لتؤسس لأولادها مستقبلاً
حين تقول المرأة للحياة كُوني فتكون.. كم امرأة مثل جمال رزق في مجتمعنا؟
لم تقف “جمال رزق”، مكتوفة الأيدي بانتظار راتب زوجها الشهيد، بل اختارت العمل بحصاد الأرض. ومن بعدها التنجيد لتؤسس منزلاً كبيراً لأولادها وأرضاً وعقارات تعينهم على الحياة. وتتخرج البنات من الجامعة وتزوج ابنها الوحيد وتسانده.
سناك سوري-رهان حبيب
فقدت “رزق” زوجها الذي ودعها في حرب تشرين التي عاش أحداثها وفقد حياته في ساعتها الأخيرة تاركاً أولاده الثلاثة. أطفالاً يحتاجون للحب والرعاية.
تقول “رزق” لـ”سناك سوري”، إنه وبعد استشهاد زوجها، قررت العودة لقريتهم “الثعلة” بريف السويداء، لتعمل وتصرف على المنزل من عملها. بينما ادخرت راتب زوجها الراحل في حصالة.
وتضيف: «ترك زوجي ورقة كتبها بخط يده ولأنني أمية قرأها أخي ولم يتحمل ما كتب فيها. عندما أوصاني أن أبقى في “جرمانا” وأراعي أولادي لكنني اخترت العودة لأكون بالقرب من أمي ووالدي رحمهما الله. لكن في السبعينيات كان إنتاج الأرض قليل وتعبت سبع سنوات في حصاد أرضٍ لأخي أعيل منها أولادي وأجمع راتب زوجي في حصالة. لأبنيَ منزلا يحمي أسرتي ونحصل على إقامة مستقرة وآمنة».
السيدة عملت صيف سبع سنوات تحصد القمح والحمص وحدها تحمل المحصول على قاطرة النقل دون كلل. حيث وجدت أن العمل مرهق جدا ولم تقبل أن تبيع قطعة أرض لأهلها لتعيل أولادها. وأصرت أن تربيهم بتعبها ويتعلموا بمدارس أبناء الشهداء وتنتقل إلى “جرمانا” باحثة عن عمل لا تمتلك شهادة للحصول عليه.
عادت “جمال رزق” إلى جرمانا مع بداية الثمانينيات، حيث استأجرت منزلاً صغيراً وبدأت البحث عن عمل إلا أنها وجدت صعوبة كبيرة. فهي لم تتعلم ولا تجيد القراءة أو الكتابة.
اقرأ أيضاً: الرجال والنساء.. تشاركية تحكمها أفكار المجتمع أحياناً وتتحرر منها في أخرى
عمل جديد
لكنها سرعان ما وجدت الحل فوراً، فهي تمتلك خبرة عالية في التنجيد، والمهنة كانت مطلوبة جداً في ذلك الوقت. وبالفعل بدأت عملها خصوصاً في تجهيز فرش العرائس، وأخذت تنجّد فرش الصوف واللحف والمخدات وتجهيزات الأطفال واستفادت من أناقتها وصدقها التي كانت سبب شهرتها.
كانت “جمال رزق” تمضي كل وقتها في العمل بنشاط لافت منحها المزيد من الشهرة، وتخصص أيام العطل لقضائها مع أولادها. كما تقول وتضيف، أنها حاولت تقمص دور الأب والأم بما امتلكت من طاقة وقلب حزين، وعيون بقيت تذرف الدموع لسنوات طويلة بحثاً عن أمان أولادها. ومستقبلهم في الدراسة والحياة.
سرعان ما تحقق الحلم بجدِّ السيدة واجتهادها، ونجحت في شراء أرضٍ وبناية بعدة شقق. حيث تزور قريتها صيفاً لترعى أشجار الزيتون وتحصد محصولها مع ابنها.
تخرجت ابنتاها من الجامعة وتزوجنّ، كما تزوج ابنها وأسس عائلة، واليوم ينتظر أولادها تخرج أبنائهم من الجامعة. وتقول إنها تعيش معهم فرحهم وتصبر على سفرهم وغيابهم عنها بثقة من أدى المهمة دون ضعف، على حد تعبيرها.
تعلمت المرشدة النفسية “ميرفت الحلبي” من والدتها “رزق”، الصبر، ولا تنسى كيف كافحت والدتها لرعايتهم، دون أن تذكرهم يوماً بتضحياتها الكبيرة لأجلهم. وتؤكد في الوقت ذاته أنهم كأبناء لا يستطيعون نسيان تلك التضحيات من والدتهم التي ماتزال ورغم التقدم بالعمر، لا تدخر جهداً. بالتعاطف وتقديم النصيحة. تقول “الحلبي”: “كيف لنا نسيان كل هذا الحب أو نفيه”.