المركز السوري للإعلام: الإعلان الدستوري خطوة للوراء .. تناقضات وخلل في المساواة
حكم سوريا غير ممكن بدون نظام لا مركزي .. والإعلان الدستوري أغفل سيادة الشعب

أصدر المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قراءةً للإعلان الدستوري قال فيها أن كتابة الإعلان مسألة سياسية بالدرجة الأولى والأولوية في كتابته للمجتمع السياسي السوري.
سناك سوري _ دمشق
وأوضح المركز أنه لا بد من إنتاج توافق سياسي سوري أولاً على عدد من المسائل الجوهرية التي تتعلق بالسلطة والشعب والدولة والمواطنة، ثم تحال التوافقات إلى لجنة قانونية دستورية لتحوّل الاتفاق السياسي إلى مواد قانونية، فيما يؤدي حصر الإعلان الدستوري بالقانونيين إلى ضياع البوصلة الرئيسة التي تنظر إلى الدستور كاتفاق سياسي أولاً.
أما تناقضات الإعلان الدستوري وغياب الفلسفة السياسية عنه، فشملت حديثه عن الالتزام بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان من جهة، رغم عدم حديثه عن النظام الديمقراطي من جهة أخرى، ليبدو الإعلان الصادر عبارة عن تجميع مفاهيم متعارضة بصورة انتقائية ووضعها بطريقة تخدم السلطة وتعيد إنتاج الاستبداد.
كما غاب عن الإعلان الدستوري قراءة الواقع السياسي السوري فيما كان الأولى به ملاحظة ذلك من خلال الابتعاد عن إعادة إنتاج المركزية ومنطق تثبيت الغلبة، واعتبر المركز أن الاعتقاد بأن حكم “سوريا” ممكن من دون نظام لا مركزي هو اعتقاد واهم، ومثله الاعتقاد بأن منطق الغلَبة يمكن أن يؤدي بـ”سوريا” إلى بر الأمان.
قراءة في مواد الإعلان الدستوري
اعتبر المركز أن الإعلان الدستوري شكّل خطوة للوراء لأنه لم يتضمن أي نصوص تكرس مبدأ المشاركة المجتمعية الواسعة في إدارة المرحلة الانتقالية، سواءً عبر إشراك ممثلين عن المجتمع المدني والنقابات والمجموعات الشبابية والنسائية أو من خلال المشاورات العامة.
خلل في المساواة
رغم أن الإعلان الدستوري نصّ على مبدأ المساواة بين السوريين في مادته العاشرة، إلا أنه أعاد إدراج أحكام المادة الثالثة من الدستور السابق المتعلقة بدين رئيس الجمهورية ما يعني إقصاء أصحاب الديانات الأخرى عن المناصب العامة، كما اعتبر أن “الفقه الإسلامي” هو “المصدر الرئيس للتشريع” بعد أن كان مصدراً رئيسياً للتشريع في الدساتير السابقة.
كما حصر الإعلان الأديان بالأديان السماوية وخصّها باحترام الدولة لها، ما يعني إقصاء أصحاب الديانات الأخرى مثل “المرشدية، والإيزيدية وغيرها” من حماية الدولة لحقوق أتباعها ومنها حرية المعتقد.
إضافة إلى تعميم هوية ثقافية قومية واحدة لجميع السوريين باعتبار اللغة العربية وحدها لغة رسمية للدولة من دون إشارة للغات الأخرى مثل الكردية أو السريانية، فضلاً عن تأكيد العروبة كصفة للدولة وفقاً للمركز.
الحقوق والحريات
رأت قراءة المركز أن اعتبار جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها “سوريا” جزءاً لا يتجزأ من الإعلان الدستوري، يعدّ جانباً متقدماً عن كل الدساتير السابقة.
بالإضافة إلى إشارة المادة 18 من الإعلان إلى أن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم، لكن هذه النظرة تبقى عامة وغير محددة ما تذكر الأطر الفعلية أو الوسائل القانونية لتطبيقها، لا سيما الإجراءات الفعلية في حال حدوث تنازع بين أحكام الاتفاقيات أو المعاهدات وبنود الإعلان الدستوري، وغياب بند ينص على مواءمة التشريعات الوطنية مع أحكام تلك الاتفاقيات والمعاهدات.
وأشار المركز إلى التناقض في المادة 23 بين صيانة الدولة للحقوق والحريات وبين إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكّل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة أو لحماية الصحة أو الآداب العامة.
كما أن المادة 14 أشارت إلى أن الدولة تكفل عمل الجمعيات والنقابات، دون إشارة إلى ضمان استقلالها، إضافة إلى أن المادة ذاتها تحدثت عن صيانة الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب وفقاً لقانون جديد دون تحديد إطار زمني لصدور هذا القانون.
نظام الحكم في المرحلة الانتقالية
يؤسس الإعلان الدستوري لنظام حكم رئاسي تمنح فيه السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية صلاحيات واسعة مع فصل تام بين السلطات، لكنها لم تراعِ وضع آليات لضمان عدم تغوّل السلطة التنفيذية على جميع مفاصل الدولة، وذلك عبر آليات مثل الموافقة على التعيينات من مجلس الشعب، ومنح السلطة التشريعية صلاحية محاسبة وإقالة المسؤولين التنفيذيين، والرقابة على الأوامر التنفيذية من خلال المحكمة الدستورية العليا.
السلطة القضائية غير مستقلة
نصّت المادة 51 من الإعلان الدستوري على استمرار العمل بقانون السلطة القضائية النافذ حالياً أي المرسوم 98 لعام 1961، والذي يضمن سيطرة مطلقة للسلطة التنفيذية على عمل القضاء، حيث يرأس رئيس الجمهورية مجلس القضاء الأعلى، كما منح الإعلان الدستوري رئيس الجمهورية الحق المطلق في تعيين جميع أعضاء المحكمة الدستورية العليا السبعة.
أما السلطة التشريعية فتم إقرار وضعها بالتعيين ما ينفي إمكانية استقلالها، كما أن الإعلان الدستوري أضعفَ السلطة التشريعية من خلال انعدام الرقابة على التعيينات الكبرى، وعدم القدرة على إنشاء لجان تحقيق أو سحب الثقة أو إجراءات العزل، والخلل في الرقابة المالية على الأموال العامة.
صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية
وسّع الإعلان الدستوري من صلاحيات رئيس الجمهورية مقارنةً حتى بدستور 2012 ومنحه وحده حق تعديل الإعلان، كما أعطته المادة 33 مسؤولية ترسيخ القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة دون توضيح المقصود بذلك وكيفية تنفيذه.
ومن صلاحيات رئيس الجمهورية أيضاً إعلان حالة التعبئة العامة والحرب، وإعلان حالة الطوارئ، وتعطيل المعاهدات التي يصادق عليها مجلس الشعب، فضلاً عن منح الرئيس حق إصدار اللوائح التنفيذية والتنظيمية ولوائح الضبط والأوامر والقرارات الرئاسية وفقاً للقوانين.
العدالة الانتقالية
أشارت قراءة المركز إلى أن تضمين العدالة الانتقالية في المادة 49 من الإعلان الدستوري أتى منسجماً مع أولويات المرحلة لتحقيق المصالحة الوطنية، لكنها اعتبرت أن تخصيص “نظام الأسد” منفرداً بالمسؤولية عن الجرائم بحق السوريين، وتجاهل تنظيم “داعش” وغيره من المتورطين في النزاع السوري، سيؤدي لتحويل العدالة الانتقالية إلى انتقائية.
نقاط أغفلها الإعلان الدستوري
حدّد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مجموعة نقاط رأى أنها غابت عن الإعلان الدستوري، وفي مقدمتها “السيادة للشعب” إضافة إلى حماية الاتصالات والحق في الحصول على المعلومات، والحق في التجمع السلمي والتظاهر والإضراب.
وختم المركز بالإشارة إلى إمكانية تعديل بعض مواد الإعلان الدستوري أو إضافة مواد جديدة استناداً إلى اقتراح من رئيس الجمهورية وموافقة مجلس الشعب بحسب الإعلان نفسه، ما قد يشكّل فرصة لتصحيح بعض الثغرات وفتح المجال أمام بناء مرحلة انتقالية أكثر توازناً وشرعيةً، تمهّد لتأسيس نظام سياسي قائم على سيادة القانون وحقوق الإنسان.