اللاذقية.. سائق يصرخ على سيدة كُرمى لـ500 ليرة!
على الأقل.. لماذا لا نكون "ستر وغطا" على بعض نشعر بأحوال بعضنا ونسامح قليلاً
يحكى أن مزارعاً كان يمضي بما يعده من السمن البلدي إلى أحد تجار السوق. حيث يمنحه السمن مقابل أغراض يشتريها للمنزل. مثل كيلو رز أو سكر وما شابهها. ربما لم تحدث القصة في اللاذقية لكن حدثت قصة تشبهها نوعاً ما بطلها سائق على خط الدائري الشمالي.
سناك سوري-وفاء محمد
وفي إحدى المرات أضاع المزارع أوزان ميزانه، فأتى بكيس سكر وزنه كيلوغرام كان قد اشتراه من ذلك البائع. ووزن السمن البلدي وفقه ثم أخذ ليبيعه إياه.
فبدأ البائع بوزن السمن ليجده ناقصاً، وبدأ يكيل التهم للمزارع المسكين. الذي أخبره بأنه زان السمن تبعاً لكيلو سكر اشتراه من عنده، وانتهت الحكاية، على الأقل انتهى الجزء المهم الذي تقاطع مع موقف عشته كلياً يوم أمس الإثنين.
حيث استخدمت باص الدائري الشمالي في مدينة اللاذقية، أعطيته 2000 ليرة، عني وعن صديقتي فأعاد لي 500 ليرة مسامحاً إياي بمئة ليرة كون الأجرة 800 ليرة للشخص الواحد.
أنهيت مهمتي وأردت العودة إلى منزلي، وكان عليّ استخدام باص الدائري الشمالي مرّة أخرى. ومنحته الأجرة 800 ليرة في نهاية الرحلة ومن بينها الـ500 ليرة التي أعادها لي زميله السابق. لأفاجَأ بأن السائق “شحط فرام سمعت فيه كل اللاذقية يمكن”. وعاد إليّ حيث كنت أقف.
ناداني وأعطاني الـ500 ليرة، للوهلة الأولى اعتقدت أني منحته 1000 ليرة ولم أنتبه وأحبّ أن يعيد لي الأجرة. فشكرته على أمانته بينما كان يناولني الـ500 ليرة وقلت له: “بلاها مو مستاهلة يسلمون”.
لينظر إليّ نظرة ازدراء، ويقول: “شوفيها لهالـ50 ليرة إذا رجعتلك ياها بتاخديها”. ثم يعود “ليشحط فرام آخر سمعت فيه نص اللاذقية مرة أخرى”. ويغادر وأنا أمسك الـ500 مصدومة مما جرى بينما تجمعت الناس من حولي. ووجدت نفسي أخبرهم باللاوعي أني أخذتها للتو من زميل له على نفس الخط.
الكثير من المشاعر انتابتني، ماذا لو كنت حقاً لا أمتلك سوى تلك الـ500 ليرة؟. هل يعقل أن تكون ردة فعل سائق بتلك الفظاظة كرمى لورقة نقدية لا تشتري حتى “بسكوتة” من النوع الرديء. لماذا لم يفكر هذا السائق باحتمالية أني لم أنتبه. أو باحتمالية أني لا أمتلك سواها ومحرجة من القصة فمنحته إياها.
بعيداً عن سوء الظن الذي شعر به ذلك السائق، كان يستطيع إيجاد عشرات المبررات. دون أن يتصرف بتلك الطريقة.
قبل نحو الـ3 أشهر وبينما كنت أجلس في المقعد الخلفي بسرفيس يعمل على الخط ذاته. انتبهت لوجود زميلة لي في المقعد خلف السائق حين وصلنا إلى وجهتنا. كانت تخبر السائق أنها أضاعت نقودها ولم يتبقَّ معها سوى 500 ليرة. ليسامحها السائق ويسألها إن كانت تحتاج النقود ليعطيها بكل أدب.
وقبل أن تجاوبه وجدت نفسي أتدخل لأدفع عنها الأجرة، وأخبره بأنها زميلتي وستعيد إليّ النقود لاحقاً. ومضى كلٌّ في حال سبيله لأعرض منحها المال وتوافق وحين بدأت بالعد انتزعت من يدي ورقة من فئة 5000 ليرة. وأخبرتني أنها تكفي ولن تأخذ ليرة واحدة زيادة، احترمت رغبتها ودخلنا معاً إلى مقر العمل.
لست أرستقراطية لكن تصادف أن الوقت كان مطلع الشهر. أنا تمكنت من الحصول على راتب لكن صديقتي لم تكن قد تمكنت من الحصول عليه بعد.
للأسف كلنا معرضون لمثل هذه المواقف، حين لا يكون الراتب يكفي ثمن أجرة الطريق إلى العمل. ولا بديل أو مورد آخر. إنها قصة ربما لا تحدث كل يوم، لكن فيما لو حدثت لن يضرّ السائق أن يستجيب للحالة الإنسانية دون تهور وغطرسة وإمعان في ذل الآخرين كرمى لـ”500″ أو لـ”1000″ ليرة.