الرقة… دخولها يشبه لحظة الفاجعة
خرج “داعش” بعد أن حول المدينة إلى ركام. ودخلتها “قسد” مع وعود أمريكية بإعادة الإعمار
سناك سوري – الرقة
لم تكن عودة طبيب الأطفال “فواز الأحمد” إلى مدينته المفجوعة من أجل تقصي الأضرار، أو مراقبة ما يجري عن كثب! كان الحنين الذي قتل روحه كل يوم هو الذي يجعل قدميه تركض في الذاكرة كي يعود إليها بعد رحيله القسري، مختزناً كل الوجوه والشوارع والأبنية التي حولتها الغارات إلى مقابر شاهقة.
الطبيب العائد إلى مدينة “الرقة” بعد حوالي ٤ أشهر من سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) على المدينة، قال في تقرير للزميل “خليل هملو” نشره “صالون سوريا”: «إنّ كل ما شاهدته على محطات التلفزة، لم يكن سوى جزءاً صغيراً من لوحة تمتد عدة كيلو مترات من الدمار والركام، وأحياء خالية تفوح منها رائحة الجثث المتفسخة. بكيت كما يبكي الطفل الذي كسر لعبته الجميلة. لم أستطع النوم في الليلة الأولى، تجوّلت في صباح اليوم الأول في شوارع المدينة المدمرة وقد أعياني الحزن وغالبتني الدموع على حالها، في اليوم التالي تمالكت نفسي ولم أبكِ، وتجولت في كل شوارعها، وفي اليوم الثالث بدأت أبحث عن عمال لترميم منزلي وعيادتي، من أجل البقاء لأقدم خدماتي لأبنائها، الذين حرموا منها خلال وجود “داعش” وما بعده».
خرج “داعش” بعد أن حول المدينة إلى ركام. ودخلتها “قسد” مع وعود أمريكية بإعادة الإعمار على شاشات التلفزة، والتي اقتصرت على إزالة الأنقاض من ثلاثة شوارع في المدينة قامت بها “منظمة التدخل المبكر” الأميركية.
اقرأ أيضاً العائدون إلى الرقة .. لم يكن باستقبالهم “هارون الرشيد”
وبحسب تقرير “هملو”، يقدّر أمين سر مجلس المدينة، “إبراهيم الفرج” حجم الدمار في وسطها والأحياء الغربية منها بنحو ٨٠ %. ويضيف: «إنّ وزن الركام والأنقاض في الشوارع يبلغ نحو ١٠ مليون طن، حيث نقوم بالتعاون مع “منظمة التدخل المبكر” بترحيل الأنقاض وفتح الشوارع الرئيسية، لتأمين فتح الطرقات وإزالة الألغام، من أجل ضمان عودة آمنة للأهالي، الذي يقدر عددهم بنحو ١٧٠ ألف شخص. ونحاول تأمين الخدمات لهم، حيث نقوم بتأمين الكهرباء عبر محطة “الفروسية” وتأمين مولدات في الأحياء التي عاد الأهالي للسكن فيها، إضافة إلى افتتاح مركز طبي بالتعاون مع منظمة “أطباء بلا حدود”».
حي “المشلب” الواقع شرق المدينة، كان أول الأحياء التي سيطرت عليها “قوات سورية الديمقراطية” بداية شهر حزيران الماضي، عاد إليه أغلب سكانه، وبدأوا رحلة الترميم المنهكة بكل شيء، وخاصة ممارسات بعض العناصر المسلحين الذين يحاولون السيطرة على ما تبقى من منازل صالحة للسكن (لتعفيشها)، ولكن الأهالي العائدون يتعاونون فيما بينهم من أجل أن تكون عودتهم نهائية رغم كل الظروف المحيطة، من مياه ملوثة، وخدمات معدومة، والألغام التي خلفتها “داعش” وتحصد كل يوم ضحايا جدد دون أن تجد “قسد” حلاً لذلك.
المدينة الغارقة بالحزن والظلام عادت بقدم واحدة، مراهنة على ما تبقى من أبنائها كي يزيلوا بقايا الجثث المتراكمة هناك، ويضعوها في مقبرة واحدة لترتاح أرواحهم المتطايرة، وتبدأ الحياة من جديد.
اقرأ أيضاً القمامة في “الرقة” تهدد حياة المدنيين وتنذر بكارثة بيئية وصحية