رحلة “البغدادي” من خليفة في “الموصل” إلى النهاية في “إدلب”
سناك سوري _ محمد العمر
في أحد أحياء مدينة “سامراء” شمال العاصمة العراقية “بغداد” ولد “إبراهيم عواد البدري” في العام 1971 لعائلة متوسطة حاول لاحقاً استثمار نسبه إليها لإثبات تميّزه.
درس “البدري” في مدينته حتى أنهى التعليم الثانوي فانتقل إلى “بغداد” ودخل كلية الشريعة في جامعتها وتخرّج منها عام 1996 إلا أنه تابع الدراسة ما بعد الإجازة الجامعية ونال الماجستير في الدراسات القرآنية ثم شهادة الدكتوراه في الاختصاص ذاته وتمّ إعفاؤه من الخدمة العسكرية بسبب إصابته بقصر نظر في العينين.
سكن “البدري” في حي “الطوبجي” في العاصمة العراقية حتى العام 2004، وكان يمارس تعليم الأطفال للقرآن في أحد مساجد الحي، إضافة إلى ذلك فقد شارك “البدري” مع أبناء الحي في ممارسة كرة القدم، ووصفه أحد أصدقائه السابقين بأنه “ليونيل ميسي الفريق”، كما عرف عنه خجله وانطواؤه في تلك الفترة التي انكبَّ فيها على دراسة العلوم الدينية.
تغيّرت حياة العراقيين جميعاً إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وكانت تلك المرحلة بداية توجّه “البدري” نحو الجماعات السلفية المتشددة، حيث شارك بعد الغزو الأمريكي في تشكيل جماعة جهادية حملت اسم “جيش أهل السنة والجماعة”.
وجرى اعتقاله على يد القوات الأمريكية عام 2004 أثناء مداهمة منزل صديقه “ناصيف نعمان ناصيف” في مدينة “الفلوجة” وأودعته في معتقل “بوكا” الشهير، الذي تحوّل إلى تجمّع لقادة وأعضاء التجمعات الجهادية، حيث كانت تجري المناقشات والحوارات بين مختلف المعتقلين سواءً من المدنيين أو من الجهاديين الذي استثمروا المعتقل لتجنيد المزيد من الأتباع.
تعرّف “البدري” في معتقل “بوكا” على العديد من المعتقلين الجهاديين، وحافظ على التواصل معهم لاحقاً، وبعد 10 أشهر من السجن صنّفته القوات الأمريكية على أنه سجين مدني لا يشكّل تهديداً وأفرجت عنه.
وبعد خروجه من السجن انضم “البدري” إلى تنظيم القاعدة الذي تحوّل عام 2006 إلى اسم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” على يد “أبي أيوب المصري”، وكان لقدرات “البدري” العلمية والفقهية وأساليبه الخطابية دور هام في بروزه داخل صفوف التنظيم.
على طريقة الجهاديين في التنظيمات المتطرفة تحوّل “البدري” إلى اسمه الحركي الجديد “أبو بكر البغدادي”، وبدأ نجمه بالصعود في المناصب ليصبح رئيساً للجنة الشريعة وعضواً في مجلس الشورى للتنظيم التابع حتى ذلك الحين لـ”القاعدة”.
اقرأ أيضاً:البغدادي ينتقد الهمجية والوحشية… ويثني على تفجيرات “سيريلانكا”
تروي “سجى الدليمي” طليقة “البغدادي” التي تم توقيفها عام 2014، أنها عاشت معه حياة طبيعية عام 2008 ولم تكن تعرف ارتباطه بالجماعات الجهادية، وتشير أنه كان يقدّم نفسه كأستاذ جامعي، ويجيد التعامل مع الأطفال على حد تعبيرها.
بحلول العام 2010 أصبح “البغدادي” أميراً لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” وأدار معظم العمليات العسكرية والهجمات الانتحارية خاصة العمليات الانتقامية بعد إعلان مقتل زعيم القاعدة “أسامة بن لادن” عام 2011، وأظهر عنفه الوحشي خلال قيادة تلك المرحلة.
وسّع “البغدادي” نشاط تنظيمه ليدخل الأراضي السورية مطلع سنوات الأزمة، وبعد ظهور الجهاديين في “سوريا” تحت مسمى “جبهة النصرة لبلاد الشام” أعلن “البغدادي” دمج تنظيمه مع “النصرة” تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عام 2013، وعمل جنباً إلى جنب طوال تلك الفترة مع مجموعات المعارضة السورية ذات الميول التكفيرية في ريف اللاذقية، حلب، الرقة..إلخ.
وقع الخلاف بين إخوة المنهج حين طالب زعيم القاعدة “أيمن الظواهري” الحفاظ على استقلال “النصرة” فرفض “البغدادي” وبدأ الاقتتال بين موالي “الظواهري” وأتباع “البغدادي” عام 2014، وجسّد ذلك العام ذروة صعود التنظيم الجديد “داعش”.
سيطر مقاتلو “داعش” على “الموصل” في حزيران 2014، بعد أن كانوا قد أحكموا السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية بما فيها مدينة “الرقة” التي أعلنها التنظيم عاصمةً له، وفي 4 تموز 2014 سيظهر “أبو بكر البغدادي” في المسجد النوري الكبير في “الموصل” بعباءة وعمامة سوداء ليخطب الجمعة بالناس معلناً نفسه خليفة للمسلمين في الأرض وداعياً الناس إلى الهجرة للدولة التي أقامها وسمّى نفسه أميراً عليها.
ادّعى “البغدادي” في تلك الأثناء أن نسبَ عائلته يعود إلى “قريش”، وذلك بسبب استشهاده بفتاوىً تقول أن الخليفة يجب أن يكون من “قريش”، فنشرت مواقع التنظيم ما قالت أنه نسب البغدادي الذي يمتد حتى يصل إلى سلالة النبي.
قاد “البغدادي” رحلة السنوات الدموية لحكم التنظيم لمناطق في “سوريا” و”العراق”، حيث نكّل أتباعه بالناس، ومارسوا جرائم الترهيب الأفظع في التاريخ المعاصر، وكانوا ينتقون الأساليب الأكثر وحشية لقتل الناس من الحرق وقطع الرؤوس وغيرها، عدا عن جرائم التهجير والخطف والاتجار بالبشر تحت مسميات وفتاوىً دينية ينتجها قادة التنظيم المتطرف.
أبرز جرائم التنظيم في عهد “البغدادي” إحراق الطيار الأردني، ودهس الجندي السوري في الدبابة، ورجم النساء.
تسبّبت تلك الهمجية التي مارسها التنظيم المتطرف في تكاثف الجهود لمحاربته، واعتباراً من هزيمة التنظيم في “عين العرب” شمال “حلب” عام 2015 بدأ الانحدار وتم طرده تباعاً من “الموصل” و “تدمر” و”الفلوجة” والرقة” وصولاً إلى آذار 2019 حين أعلنت “قسد” وقوات التحالف القضاء على آخر معاقل التنظيم في “الباغوز” بريف “دير الزور”.
ظهر “البغدادي” بعدها في نيسان ليؤكد استمرار التنظيم رغم هزيمة “الباغوز”، وتتالت لاحقاً الأنباء حول استهدافه والمعلومات حول مكان وجوده، وتداولت وسائل الإعلام أنباءً عن إصابته خلال غارة جوية ما أدى إلى شلله، فيما ذكر مسؤول في المخابرات العراقية قبل أشهر أن المعلومات تفيد بتواجد “البغدادي” في “إدلب”.
في ساعة متأخرة من ليل 26 تشرين الأول 2019 غرّد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قائلاً «شيء كبير حدث للتو» وتوالت الأنباء بعدها عن تنفيذ القوات الأمريكية عملية عسكرية استهدفت “البغدادي” في قرية “باريشا” شمالي “إدلب” حيث قال “ترامب” لاحقاً أن “البغدادي” حوصر في نفق تحت الأرض وفجر نفسه بحزام ناسف تجنباً للاعتقال.
وفيما لم تعرض الإدارة الأمريكية صوراً لجثة “البغدادي” على غرار ما جرى حينما أعلنت قتل “أسامة بن لادن” ورمي جثته في البحر، فإن الرئيس الشيشاني “رمضان قاديروف” كان له تعليق بارز على إعلان أميركا قتلها لزعيم داعش، حين قال: “نحن أنجبناه ونحن الأولى بقتله” في إشارة منه إلى أن داعش صناعة أميركية.
بدورها لم تصدِر المواقع والصفحات التابعة للتنظيم أي تعليق على أنباء مقتل “البغدادي” حتى الآن، فيما إذا صحّت المعلومات الأمريكية فإن صفحة واحد من أخطر الجهاديين في العالم وأكثرهم وحشية تكون قد طويت بعد أن تسبب مع أتباعه بأفظع المآسي الإنسانية بحق المدنيين لا سيما في “العراق” و”سوريا”.
اقرأ أيضاً:ترامب: لقد حدث شيء مهم جداً.. وأنباء عن مقتل “البغدادي”