الإدارة المحلية في سوريا.. التفكير داخل الصندوق
تغيير نظريات ثقة القيادة وتعزيز شعور الناس أنهم ممثلون بالسلطة
حسم المجلس الأعلى للإدارة المحلية أمس أمره وأكد أن انتخابات المجالس المحلية ستجري في موعدها. والذي من المُتوقع أن يكون في تشرين الثاني القادم. وهو واحد من أهم الاستحقاقات في سوريا نظراً لدوره في المساهمة بشعور الناس في مختلف مناطق البلاد أنهم ممثلون فعلياً في السلطة.
سناك سوري – بلال سليطين
التجارب السابقة مع الانتخابات عقب إصدار القانون 107 عام 2011 لم تكن ناجحة على الاطلاق. سواء في آليات الاختيار للمرشحين المدعومين من الحزب الحاكم (قوائم الوحدة الوطنية) والذين ينجحون دائماً. أو لناحية تطبيق اللامركزية الإدارية واستقلالية المجالس ونجاحها في إدارة شؤونها. بمعزل عن توجيهات ورضا السلطة المركزية والحزبية. وتدخلاتها في كل “شخطة قلم” يحركها رئيس مجلس محلي في مدينة أو بلدة على طول وعرض البلاد.
إلا أننا اليوم إما استحقاق جديد لابد من التعامل معه. على أمل أن يأتي بتغييرات إيجابية تساهم في وضع البلاد على طريق اللامركزية الإدارية فعلياً وليس نظرياً. وتحقق للناس الشعور بالرضا والقبول عن إداراتهم المحلية وأنهم ساهموا فعلياً في إيصالها إلى مواقع القرار ولم تُفرض عليهم فرضاً.
اقرأ أيضاً: الإدارة المحلية في سوريا (2) .. التحول إلى اللامركزية الإدارية
خلال الفترة الماضية جرت مراجعة حكومية للتجارب السابقة مع انتخابات الإدارة المحلية ودور المجالس وعملها وماقدمته خلال دوراتها الانتخابية. وكان الحديث يدور هذه المرة عن ضرورة التفكير خارج الصندوق للوصول لنتائج أفضل من تلك التي حصدناها سابقاً نتيجة اعتماد مايعرف بـ “ثقة القيادة”.
لكن التوجه الحكومي نحو الاتحاد الوطني لطلبة سوريا ليكون شريكا في تمكين وتعزيز الخبرة بالقانون وكذلك تشجيع الشباب على الترشح والانتخاب. أثار التساؤلات حقيقة هل هذا بالفعل تفكير خارج الصندوق!. فاتحاد الطلبة في نهاية الأمر منظمة تابعة لحزب البعث الحاكم. وتحمل توجهاته وتشربت أفكاره وآلياته بما فيها نظريات “ثقة القيادة” في اختيار القيادات المطبقة داخل اتحاد الطلبة. ما يعني تفكيراً داخل الصندوق ذاته وليس خارجه. وإذا كان لابد للحكومة من التعاون مع الاتحاد بصفته يحظى بثقة البعث. فإنه لابد من التعاون مع المجتمع المدني أيضاً. وتقديم كل الدعم والتسهيلات له وجعله شريكا في التحضير والتنفيذ والرقابة على الانتخابات وبهذه الطريقة نكون أمام تفكير خارج الصندوق.
تعد اللامركزية الإدارية أحد مداخل الحل السياسي في سوريا، خصوصاً في المناطق الخارجة من الصراع عن طريق تعزيز شعور الناس فيها أنهم ممثلون بالسلطة.
لاشك أن اجتماع المجلس الأعلى للإدارة المحلية أمس للإعلان عن الانتخابات والتحضير لها هو إجراء يعكس اهتماماً كبيراً فيها. لكن عجز المجلس منذ قرابة 11 عاماً إلى الآن عن إقرار الخطة الوطنية لللامركزية الإدارية يشكل عامل إحباط للمجالس المحلية. ويعرقل التطبيق الفعلي لقانون الإدارة المحلية. كما أنه يُبين وجود خلل في عمل المجلس الذي لم يحدد حتى في اجتماعه هذا أي مهل زمنية لإقرارها. فكيف يمكن المضي قدماً دون وجود خطة واضحة يتم العمل بموجبها؟.
اقرأ أيضاً: انتخابات سوريا على الأبواب.. فرصة الشعور بالتمثيل
يدعو رئيس الوزراء “حسين عرنوس” والوزير المختص “حسين مخلوف” بعد اجتماع المجلس لكي يكون المجتمع المحلي فاعلاً في ترشيح الكفاءات والمشاركة في انتخاب الأفضل. ونجاح هذه الدعوة مرهون بتغيير آلية القوائم المُعلبة التي يتم اختيارها مسبقاً للترشح عن طريق الحزب الحاكم وتحالف الجبهة الوطنية التقدمية. فهؤلاء هم المعني الأساسي بالتغيير قبل المجتمع المحلي الذي يحتاج أن يَلحظ التغيير حتى يبادر للترشح بايجابية. فما هي الجدوى من ترشح الكفاءات اذا كان الاختيار يتم على أساس التوجيه و”ثقة القيادة”. حيث أنه عادة لا يتم الاكتفاء بترشيح قوائم مسبقة فهناك أيضاً توجيه بانتخاب المرشحين المستقلين أيضاً. وفي ظل ضعف الحياة السياسية في البلاد واستمرار هذه الآلية يبدو التغيير مستحيلاً في الانتخابات القادمة اذا استمر التفكير داخل الصندوق ذاته؟!.
تعد المجالس المحلية أهم عنصر من عناصر عملية التنمية والخروج من الأزمات، من خلال قدرتها على معرفة الاحتياجات المحلية ودورها في التواصل مع المجتمع المحلي وخلق الموارد.
كما أن الطلب من المحافظين تفعيل أدوار المجالس المحلية والذي جاء خلال الاجتماع غير كافٍ لإحداث تغيير. فهو طلب مكرر وجرى ذكره في عدة مناسبات سابقاً لكنه لم يغير شيئاً من واقع أن المحافظين يصادرون صلاحيات المجالس المحلية ويتحكمون بقراراتها. بل ويشاركون في اختيار أعضائها وحلها. ناهيكم عن التدخل المركزي في تشكيل هذه المجالس والذي تكرر في عشرات المناسبات خلال السنوات الاربعة الماضية.
ويشكل مجلس مدينة اللاذقية مثالاً حياً على التدخلات وسوء آليات الاختيار. فقد تم تشكيل وحل المجلس عدة مرات. واختير أعضاءه ورئيسه بذات الطريقة في كل مرة. مايعني أنه لم يتم التعلم من التجارب السابقة خلال إدارة المشكلات التي صادفت الدورة الانتخابية الماضية.
اقرأ أيضاً: انتخابات مجلس مدينة اللاذقية اقتصرت على أمانة السر والباقي تزكية
مراجعة التجارب السابقة لا تعني الحكم على التجربة القادمة مسبقاً. فإنجاح المستقبل يتطلب مراجعة الماضي والتعلم من دروسه. وربما على وزارة الإدارة المحلية أن تبدأ من اليوم في إظهار وجوه التغيير لديها. والتي تريد عكسها بالانتخابات القادمة. وربما يكون من المفيد لو تنشط الموقع الالكتروني الخاص بها. وتضيف تصنيفات جديدة لكل الوحدات الإدارية في سوريا. بحيث تنشر فيها أخبار هذه الوحدات وتحديثاتها من قبل المكاتب الإعلامية المحلية وليس مركزياً، وهذا بحد ذاته تعزيز للامركزية الإدارية وتبني ودعم لهذه الوحدات في عملها وحتى أنه طريقة جيدة لمراجعة نشاطها ونجاحها وتقييمها من قبل الناخبين وإجراء مقارنات بين أداء الوحدات الإدارية فيما بينها.
كما أنه لابد من الحد من صلاحيات وأدوار المحافظين غير المنتخبين. وزيادة صلاحيات رئيس مجلس المحافظة بصفته السلطة المحلية المنتخبة. وضمان التطبيق الكامل لبنود قانون الإدارة المحلية 107 والذي لم يجرب فعلياً إلى الآن. والتراجع عن بعض التعديلات التي طرأت عليه وأتاحت بسهولة إقالة مجالس منتخبة وتعيين بديل عنها.