أخر الأخبارالرئيسيةحرية التعتير

أمٌّ سوريّة تواجه خسارتها .. وتقدّم للقاتل درساً مجانياً بالشجاعة

مشهد من انتهاكات الساحل يكشف جزءاً من بشاعة المجازر الطائفية

إنها مجرّد أمٍّ سوريّة، كأيِّ أمٍّ أخرى في هذا العالم، عاشت وأنجبت أطفالاً وكبروا أمام عينيها واشتركت مع ملايين الأمهات في حلم واحد أن يكون أولادها “أحسن أولاد في العالم”.

سناك سوري _ دمشق

إنّها الأم التي احتضنت حفيدها وأخبرته المثل الشهير “ما أغلى من الولد إلا ولد الولد”، ثم هدهدت له لينام، وراحت تهمس في أذن حفيدها كم أنها تحبّ أباه وكم يشبهه، وتفشي له أسرار طفولة والدِه.

إنّها أمّ سورية كتب الله عليها الشقاء في هذه الأرض، فتحمّلت بصلابة تشبه تلك الجبال، لتجعل من أبنائها معجزة، سهرت وبكت وتعبت وتحمّلت، حاربها الفقر والألم والعمر والمرض وتحمّلت، مرَّ عليها البرد والشوك والجوع والقهر وتحمّلت، لأجل حلمٍ واحدٍ فقط، أن ترى أبناءها يكبرون أمامها ويصبحون رجالاً يحتضنون أمهم وترى أطفالهم.

ربما كانت مشغولة البال ذاك الصباح، تفكّر بوجبة غداء تعجب أبناءها وأحفادها وتكفيهم، هذه أيام صعبة وعليها أن تكون كما اعتادت دوماً أن تكون، مصدراً لأمانهم وشبعهم ودفئهم، لكن حزناً ما كان يداهم قلبها فجأة على وقعِ أخبار الفقدِ من كل ما حولها.

لم يكن ذلك المقطع المصوّر سوى جزءٍ من صلابتها، أخفت دموعها عن قتلةِ أبنائها، رأتهم مستلقين على قارعة الطريق ينظرون للسماء، لقد ناموا يا أمّاه قبل الغداء، مجرد نوم عابرٍ سيستمر للأبد، وهذه دماؤهم التي منحتِهم إياها، هذا الحليب الذي أرضعتهم كي ينهضوا في البلاد، وهذه هي البلاد التي أردتهم اليوم.

لكنّها أمٌّ سوريّة، ولم تتعلّم الانحناء، فوقفت بصلابة تنظر إلى ولديها، هذا ابن بطنك يا أمّاه، ينام مبتسماً رغم محاولات القتلة التشفي من جسده، وأنتِ تصرّين أن تعلّمي القاتل درساً في الشجاعة وتلقين نظرتكِ الأخيرة على حلمين ضاعا منكِ برصاص غادر.

الأم السورية تلك هي “أم أيمن” من قرية “قبو العوامية” بريف “اللاذقية”، وخسرت ابنيها “كنان” و”سهيل” وهو مدرِّس ومترجم، وحفيدها “لامك ريحان”، علماً أن العائلة تعمل في الزراعة وخسرت بيوتها في زلزال شباط 2023.

المقطع المصوّر الذي انتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي وثّق لقاء الأم بجثامين ولديها المرميين في الشارع، بعد أن أطلق مسلحون يرتدون زيّاً عسكرياً النار عليهما، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ فقد هاجم المسلحون الأم بالشتائم الطائفية ولم يحترموا مشاعر فقدها كأمٍ ثكلى خسرت ولديها في انتهاك حتى لحرمة الموت والتعاطف الإنساني، وهو مشهد واحد من جملة انتهاكات ومجازر طائفية شهدها الساحل السوري في الأيام الماضية.

يذكر أن السلطات السورية أعلنت تشكيل لجنة تحقيق بما وصفتها بـ أحداث الساحل السوري وتوعدت بمحاسبة المجرمين.

زر الذهاب إلى الأعلى