أرى الكثير من ثياب بابا نويل ولا أجده!
هل من المنطقي أن نلوم طفلاً يحتال علينا ليحصل على بضع "ليرات" سيأكل بها لاحقاً؟!
كنت أهم مع صديقتي بمغادرة المتجر الذي دفعت فيه عدداً لا بأس به من “الآلاف” ثمناً لهدية من المفترض أن يقدمها “بابا نويل”. لطفلتي الصغيرة في احتفال روضتها، حين صادفت طفلة صغيرة أيضاً على باب المتجر تطلب أن أعطيها نقوداً لأنها جائعة. وبينما أدخلت يدي في محفظتي قاطعتني يد صديقتي التي أمسكت بيدي ولكن نظرة واحدة مني كانت كافية لتدرك أن عليها التوقف فوراً. أما الطفلة الصغيرة فقد وجدت نفسها منتصرة أخذت ماتريد توسلت السماء أن ترد الشرور عني وانصرفت.
سناك سوري-رحاب تامر
بعد ذلك دخلت أنا وصديقتي في الجدلية المعتادة “إنهم يكذبون، يخدعوننا بطفولتهم لنعطيهم النقود، لا تنغشي بهم” وما إلى ذلك من الكلمات التي تبدو منطقية جداً حين نقرر أن نلتف على إنسانيتنا لنبرر لذواتنا عدم امتلاك الحس البشري.
وهنا كان لابد أن أدلي بدلوي أو كما تقول صديقتي أن أحاضر بها، أخبرتها أنهم مجرد أطفال رماهم هذا المجتمع البشري الذي نعيش به. على قارعة الطريق التي علمتهم كيف يعيشون، فهل من المنطقي أن نلومهم على أسلوب دفعناهم إليه؟!، وهل من المنطقي أن نلوم طفلاً يحتال علينا ليحصل على بضع “ليرات” سيأكل بها لاحقاً؟!. وحين أدركت نفاذ صبر صديقتي وعدم اقتناعها ختمت الموضوع بعبارة “إنها ليلة الميلاد ياشيخة”، ثم قلت في نفسي “أجل إنها ليلة الميلاد لكن بابا نويل لا يزور كل الأطفال”.
ودعت صديقتي وصعدت في الباص إلى منزلي وأنا أمسك هدية باهظة أنيقة التغليف، كنت أعلم مقدار الفرح الذي سيسكن طفلتي الصغيرة حين يقدمها لها بابا نويل. وبينما كان الباص يمضي في طريقه كان المطر يتساقط بشكل جميل بينما تصدح أغنية هادئة في أذني فصلتني عن ضوضاء ماحولي، تلك الأغنية وذلك الطقس أبحرا بي بعيداً إلى زمن مضى كنت فيه طفلة.
اقرأ أيضاً: عن فوبيا السلاح والشيطان والحمقى و”حبة البندورة” الضحية!
في ذلك الزمن لم نكن نمتلك “ثياب بابا نويل” لكننا كنا نمتلك روحه وعطائه، لقد كانت عمتي تخبرني أنا وشقيقتي قبل أسبوع من يوم الميلاد بأنه سيزور الأطفال الجيدين ليقدم لهم النقود وماعلينا أنا وشقيقتي إلا أن نحسن التصرف، فهو سيقدم النقود المعدنية للأطفال الذين يرهقون أهلهم. بينما سيقدم نقوداً ورقية للأطفال المثاليين، وفي زمني النقود المعدنية كانت تعني الليرات وأما الورقية فكانت من فئة الخمس ليرات أو العشر ليرات ..الخ لذلك فقد كانت مرغوبة لدينا أكثر.
في الليلة الموعودة كنت أحارب النوم فأنا لم أحسن التصرف كما شقيقتي المثالية أصلاً، كنت أريد أن أخبر “بابا نويل” حين يأتي أني لن أعيدها تماماً كما تفعل بي ابنتي اليوم بعد كل تصرف غير جيد “والله ياماما مابقصدي مابقا بعيدا”، كنت أريد أن أقنعه بإعطائي النقود الورقية وأنا كنت سأعطيه الكثير من الوعود بتحسن سلوكي خلال العام القادم، مازلت أذكر تلك التفاصيل كما لو أنها حدثت البارحة.
في صباح ليلة الميلاد في ذلك الزمن أي في تسعينيات القرن الماضي، استيقظت بسرعة لأضع يدي تحت مخدتي حيث اعتاد “بابا نويل” أن يضع هديته “الكاش” لأرى الكثير من الليرات بينما كانت أختي فرحة بهديتها “الكاش” الورقية، بدأت أصرخ وأبكي وأنا ألوم أهلي على إخبارهم “بابا نويل” بما اقترفت من تصرفات غير جيدة، كان يخيل إلي أنه حضر بعد نومي واحتسى الشاي معهم بينما بدأوا بسرد أفعالنا أنا وشقيقتي أمامه، المفارقة كانت أنني وشقيقتي حصلنا على نفس المبلغ المالي، إنما بهيئتين مختلفتين، مع ذلك كان يحز في نفسي أن أحصل على النقود المعدنية وهي على الورقية.
اقرأ أيضاً: “خليل” الذي غرس سكيناً عميقاً في قلبي.. سيكبر يوماً
في ذلك الزمن لم يكن عدم وجود ملابس “بابا نويل” ليلغي وجود روحه فيما بيننا، على عكس اليوم حيث أرى الكثير الكثير من ثيابه تتمختر في الشوارع بكل فرح، كان يوجد أيضاً في تلك الشوارع الكثير من الأطفال المشردون بفعل الحرب، كانوا ينظرون إلى ثياب “بابا نويل” مثلي لكن بعقلية مختلفة، تلك الثياب لم تكن تراهم أبداً فهي تمتلك قائمة بأسماء أطفال آخرين كانت ستزورهم لتقدم لهم هدايا اشتراها أهلهم سابقاً، وقبل أن أمضي في سخطي الأحمق هذا استدركت فأنا أيضاً قد تصرفت مثلهم فلماذا ألوم “ثياب بابا نويل” المبرمجة بناء على قائمة ورقية؟!.
الحمد لله كان الباص قد أوصلني إلى منزلي قبل أن أتابع تفكيري الأحمق ذلك، نزلت مسرعة بعد أن انتزعت السماعات من أذني، كذلك انتزعت معها التفكير بـ “ثياب بابا نويل” الحالية، وروحه السابقة حين كنت طفلة، ودخلت المنزل وأنا أحمل لطفلتي فرحاً حرم منه الكثير من الأطفال الآخرين، وبينما كنت أحتضن صغيرتي سألت نفسي: ترى لماذا ننجب الكثير من الأطفال إن كنا لن نستطيع أن نقدم لهم الفرح؟!.