أرمن ديرالزور من التهجير إلى اللجوء فالعودة لمدينة مدمّرة
هايكيان: لم تعد الكنيسة مقر رحمة وسلام.. داكسيان: لم تعد الدير ديراً
سناك سوري _ صفاء صلال
يجلس الرجل الستيني عند باب ورشة حدادة صغيرة في حي “الجورة” بمدينة “دير الزور” متأملاً ما آلت إليه أحوال المدينة بعد سنوات من الحرب.
هو واحد من أوائل العائدين الأرمن إلى “دير الزور” بعد إبعاد مسلحي “داعش” عنها صيف 2017، يروي “بوغوص داكسيان” لـ سناك سوري لحظات العودة الأولى قائلاً: «لما رجعت عالدير كان كل شيء مختلف، لم تكن الدير ديراً، التدمير في كل مكان وزاوية فيها»
عند باب الورشة التي استأجرها بجانب منزل بحي “الجورة” بعد خسارة منزله في منطقة “الرشدية”، يستعيد “داكسيان” اللحظات الأولى للخراب في “دير الزور” حين غادرت نحو 300 عائلة مسيحية من المدينة خلال 48 ساعة، بينهم 30 عائلة أرمنية أدارت ظهرها هاربةً لمنازلها وأرزاقها، وحمل أرمن الدير أرواحهم على أكفهم مستعيدين سيرة أجدادهم الفارّين من مجازر العثمانيين.
يفشل “داكسيان” في حبس دموعه حين يصف تلك اللحظات بأنها أشبه بالدوامة، لكنه لم يكن يعتقد أنها ستكون بدايةً لرحلة نزوح نحو “القامشلي” سيطول بها الزمان أكثر من 3 سنوات بقيت خلالها “دير الزور” محاصرة والطرق نحوها مقطوعة، فيما تحاكي عروق يديه المجعدتين رحلة الشقاء في النزوح بعيداً عن المدينة الأم.
يغرق صوت “داكسيان” بصمت مباغت خلال المكالمة الهاتفية مع سناك سوري لاسيما حين يصل الحديث لوصف ما حلّ بالمدينة من دمار حيث قال «لم تسلم بيوت الله من الذين يدعون محبة الله , لا فرق بين الكنائس والجوامع كلها تدمرت»، مضيفاً أن معظم أرمن الدير توجّهوا نحو “دمشق” و”حلب” لكن النسبة الأكبر فضّلت الاستقرار خارج “سوريا”، مقابل عودة شخصين آخرين غيره من الأرمن إلى “دير الزور”.
الحداد الأرمني العائد يرى ألّا أفق لعودة أرمن الدير إلى مدينتهم حالياً لاسيما مع عدم تأهيل الأحياء خدمياً وقلة العائدين إلى المدينة، بالإضافة إلى استقرار كثيرين خارج البلاد وتأقلمهم مع الحياة في المغترب وسط الوضع الاقتصادي المتردي في الداخل السوري.
اقرأ أيضاً:في دير الزور .. حنين إلى أبو الأسواق السبعة
صيدلاني يوثق تفجير الكنيسة
غادر “كريكور هايكيان” الدير منذ 2012 متجهاً نحو “حلب” حيث استقر مع أسرته وعمل كصيدلاني في المدينة البعيدة عن “دير الزور” التي زارها مرتين بعد خروج “داعش” منها لكنه يصف هاتين الزيارتين بأنهما حملتا التعب والمأساوية.
واجه “هايكيان” مشهد الكنيسة المدمرة في “دير الزور” بصعوبة حيث قال لـ سناك سوري عن المشهد «لم تعد الكنيسة مقر رحمة وسلام كما كانت من قبل عندما رأيتها لا شيء سوى بعض الصخور التي حاولت الكفاح بوجه التفجير».
لم يستطع “هايكيان” أن يفعل شيئاً بعد تفجير الكنيسة سوى أن يسهم في نشر صور الخراب الذي حلّ بها يوم 21 أيلول 2014، حيث سارع بعد أن وصلته صور دمارها من صديق داخل المدينة إلى نشر الصور على صفحات وسائل التواصل، لتتحول تلك الصور إلى خبر يتصدر وسائل الإعلام المحلية والعالمية آنذاك.
ويعد تفجير كنيسة “شهداء الأرمن” في “دير الزور” واحداً من أكثر تفجيرات المدينة مأساوية، نظراً لاستهدافه واحداً من المعالم الحضارية والدينية للمدينة، حيث دمّر الكنيسة التي كانت تضم عظام ورفات ضحايا مجازر الأتراك بحق الأرمن ومستندات ووثائق نادرة عن تلك الحقبة، في وقت يعتقد فيه “هايكيان” أن استهداف الكنيسة كان جزءاً من مخطط تركي لطمس الوجود الأرمني في إطار السياسة التركية العنصرية ضد الأرمن وفق تعبيره.
الترهيب هجّر أرمن الدير
«مات زوجي قهراً» هكذا تصف “أم آكوب” ما حدث لعائلتها لـ سناك سوري، مضيفة أنها وبعد سنة من مغادرة “دير الزور” مع عائلتها فضّلت الهجرة نحو “ألمانيا”، وذلك بعد أن تفرّق أبناؤها بين “لبنان” و”دبي” و”أرمينيا” وصولاً إلى “ألمانيا”.
تذكر “أم آكوب” أنها اتخذت القرار بالهجرة لتجنيب أبنائها الدخول في الصراع الدائر، مشيرة أن أوضاع المدينة زادت تدهوراً وإثارة للقلق بعد أن قام مسلحون بذبح أحد المدنيين بشكل علني مع ترديد شعارات دموية تعيد إلى الذاكرة مجازر الأجداد الأرمن، ما دفع العائلة لهجرة المدينة.
اعتاد أهل “دير الزور” بحسب “أم آكوب” أن يقولوا نحن بدل أنت أو أنا، مشيرة إلى أن ذلك كان يرمز إلى وحدة أهل المدينة من مسلمين ومسيحيين والعيش المشترك في مختلف الظروف.
تتحسّر “أم آكوب” بنفسٍ عميق قائلة «يا محلا الدير وجسر الدير» في وقت استقرت فيه بشكل دائم في “ألمانيا”، لتصف حالها بالقول «حاضرنا مجهول الهوية وماضينا أليم جريح».
اقرأ أيضاً:مجد العيسى.. إعلامي وثّق بكميرته ودمه حكاية الحرب في ديرالزور