الرئيسيةرأي وتحليل

هل نستطيع تفريغ العنف بشكل سليم – ناجي سعيد

الجهاز العصبي الذي يُنتج عنفًا، من الطبيعي أن يُنتج حلولاً لهذا العنف

“كل إناء يرشح بما فيه، ويروى: ينضح بما فيه- أي يتحلّب”، يردُ المثل أكثر ما يَرد، للحديث عن إنسان سلبي، فالإنسان كالإناء إذا امتلأ بالغَيرة والحقد وتصيًد السلبيات فلا يمكن إلا أن يفيض بالسلبية- مهما حاولنا أن نَحول دون ذلك. هذا ما ورد في “ديوان العرب” عن تفسير هذه المقولة الشهيرة أعلاه.

سناك سوري-ناجي سعيد

عندما أبدى لي صديق رغبتَه بإن أكتب المقال الأسبوعي عن تفريغ العنف بشكل سليم، خطر ببالي أن أبدأ بالمثل الشعبي. والرابط المنطقي، أن من يكبت بداخله شعورًا بعدم الرضا والناجم عن عدم تلبية حاجة أساسيّة، فبحسب العالم “ماسلو”، فإن تعريف الحاجة هو: “الحاجات هي أشياء نتطلبها ويجب الحصول عليها للبقاء على قيد الحياة ولنشعر براحة جسدية ونفسية في حياتنا اليومية”.

ويتابع: “تظهر الحاجات نفسها عن طريق الإحساس بالتوتر وعدم الاستقرار. وظهورها هو شيء خارج عن سيطرتنا وإرادتنا. إن الحاجات الأساسية هي حيوية وحادة. عند تلبيتها يختفي الشعور بالتوتر ومن ثمّ نشعر بالإشباع”. وأيضًا يتابع: “الرغبات هي دوافع داخلية تقودنا باتجاه شيء ما أو شخص ما في بيئتنا الخارجية والذي هو لنا رمزاً للمتعة. كلما كان من السهل الوصول لرغباتنا، كلما تطلعنا لتحقيق رغباتنا. وإذا ركزنا كل جهدنا لتحقيق رغباتنا فإننا قد نهمل حاجاتنا الأساسية. يتطلب ذلك توازن وحكم معقول”.

ونتيجةً لهذا، عبّر صديقي عن الفكرة التي نواجهها: “أنا معصّب وبدّي كسّر البيت كلّه”!، وهكذا نستنتج بأنّ العنف الذي يُنتج حروبًا عنيفة جماعية بين دول بدايته فرديّة! فالفرد الذي يُقنع الآخرين عقليًّا وعاطفيًّا بانتخابه في موقع مسؤولية، يغفل الناس عن معرفة مستواه النفسي. وذلك لقصورهم في القدرة على قياس المستوى النفسي الذي يخوّله الوجود في موقع المسؤوليّة وتحمّلها والمثال الواقعي عن ذلك وصول مجنون فردي أو شخص أرعن إلى سُدّة رئاسة الجمهوريّة لأكبر دول العالم.. فتخيّلوا حجم العنف الناجم عن عدم تلبية رغباته العنيفة!.

اقرأ أيضاً: خلي روحك رياضية يا زلمي – ناجي سعيد

وبدون مثالية طوباويّة، لن أقول بأن الحلّ هو علاج نفسي للشخص الأرعن المريض! فمن الطبيعي أن فريقًا من علماء النفس يواكب ويتابع رئيس أكبر دولة لتفادي العنف. وعلميًّا، فقد وُجدت طرق تعبير إنسانيّة للتعبير عن العنف الطبيعي الموجود داخل كلّ إنسان. ويوجد طُرق كثيرة في المجال الفنّي مسربًا للتعبير الإنساني عن العنف والتعصيب، حيث نرى الكثير من الفنّانين لا يُنتجوا فنًّا إلاّ بعد حالة عصبيّة، ومنهم من أسّس لمدارس فنيّة كبيرة.

بيكاسو كان مجنونًا وفان كوخ قطع أذنه وأهداها لحبيبته، ولم يكن هذا السلوك إلاّ لينجم عن عدم تلبية رغبته في الوصول إلى حبيبته! ومن منّا لا يذكر ما هي ردّة فعلنا كطلاّب في المرحلة المتوسّطة عندما كان يأتي المُدرّس “معصّبًا” ليفرّغ عنفه على تلميذ قصّر في واجبٍ أو فهم موضوع يشرحه مُسهبًا، فنقول: “مرته مزعّلته بالبيت وجايي يفشّ خلقه فينا”!!.

الجهاز العصبي الذي يُنتج عنفًا، من الطبيعي أن يُنتج حلولاً لهذا العنف. فالجهاز العصبي هو جزء من تكوين جسم الإنسان بيولوجيًّا، وهذا الجسم يُولِد بتكوينه، شخصيّة مُتّزنة، تتّسم بالتزامها في مسار لاعنفي، حيث يتطلّب هذا المسار المُتّزن تلبية الحاجات التي يحصرها العلم في إيجابيّة مُطلقة، فلا يمكن أن تكون “حاجة”، ونتيجة تلبيتها أذى للآخرين، الذي يؤذي هو الرغبات! لا يعقل أن تقول حين تتعرّض للعنف: حاجتي أن أقتل أو أضرب أو أسرق!! الرغبة في الانتقام هي أن تشفي غليلك فقط!!.

والغليل هو الحقد والانتقام من الخطأ بخطأ مثله. وبهذا الشكل يتكاثر الخطأ وينمو العنف. فنصبح شعبًا يتناسل أخطاءه بنفسه. ولكن الثقة بالطبيعة الخيّرة للبشر تؤكّد مقولة: ” الطريق إلى الخطأ مُعبّد بالنوايا الحسنة” !.

اقرأ أيضاً: المدراء الذين لم يحصلوا على تربية سليمة قد يمارسون العنف – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى