الرئيسيةيوميات مواطن

الحياة الهادئة نعمة – شاهر جوهر

وسط الصعوبات المعيشية هناك أشياء كثيرة قد تكون نعمة.. ماهي النعم في حياتكم اليوم؟

سناك سوري – شاهر جوهر

لدي صديق في قرية مجاورة يعمل حرفياً (كالبغل)، وليس في هذا الوصف ضغينة، فهو عمليّاً وصف ينطبق تقريباً على كل شبان وشابات “سوريا” بعد الحرب، فهم يمنحون يومياً جهداً أكثر من جهد البغل حتى ليحصلوا على رغيف خبز.

حين زارني هذا الصديق كان قد خسر الكثير من صحته، فبدا ناشفاً كعود يابس، كما صُبغت وجنتيه بالكَلَف بفعل أشعة الشمس جراء عمله في الأرض، والأهم بدت على وجهه علائم الاكتئاب، أمتلكُ حولي أصدقاء كثر من هذا النوع الزاحف ممن لا يزورونك إلا حين يكونوا في أعمق ساعاتهم بؤساً، فيزيدوا بؤسك بؤساً فوق بؤس.

علمت ما يزعجه فلم أقاطعه حين أخذ يشرح لي نشرته النفسية، إذ لم يتمكن من الفرح لجنيه محصول عامه من القمح والحُلبة حتى وقع خلاف بينه وبين جاره، تطور الخلاف إلى ملاسنة فشد شعر فلوي الأعناق وأخيراً سقط الجار مخلوع الكتف، لم أسأله سبب الخلاف، فمن غير المهم سؤال قروي عن سبب نزاعه مع جاره، حُلّت القضية عشائرياً بأن قررت محكمة العَجَزة في القرية تغريم ذاك “البغل” بثلاثة ملايين ليرة أي أكثر من نتاج محصوله.

وحين انتهى، قال بتعب (أريد حلاً)، أي حل لكل هذا الخزي الذي نعيشه، لكنني لم أقل له أننا في الحضيض حتى لا أزيد في كآبته، بل كعادتي في العجز عن الإجابة صببت له الشاي وجلست ساكتاً، تعلمتُ هذه العادة من الحكومة، فهي تجيد الصمت وعدم الاكتراث لكل هذا الضجيج والصراخ من حولها. ومع ذلك فالتذمر والشكوى هي واحدة من المهارات البائنة التي أمتلكها ولا قدرة لي على طلاقها، مع العلم أني أمتلك من النِعم ما لا يمتلكه عدد كبير غيري.

لكن من المنصف القول أن الحياة الهادئة نعمة، إنها كذلك بحق، هذا الشعور راودني حين عملت قبل عدة أشهر مع صديق خمسيني في بناء الحجر، إنه عمل مرهق وشاق، تحطيم الحجر البازلتي الصلب بالمطرقة التي تزن عشرة كيلوهات وحمله لمسافة بعيدة ومن ثم بناءه. إنه أمر يدعوك للشكوى مرغماً، مع ذلك كان ذاك الرجل يشعر بسعادة كبيرة، كان في كل ضربة مطرقة يضربها يستغفر الله، وفي كل حجر يحمله يشكر الله، دفعني الأمر لسؤال نفسي من أي سماء يهبط عليه كل هذه الرضا؟.

اقرأ أيضاً: بعد حواري مع متشرد أنا لا أشعر بالارتياح مثله – شاهر جوهر

عدت مساءاً إلى المنزل وأنا أفكر في سعادته، فكل يوم أفكر كيف سأجني المال لعائلتي، فأنا أعرف أناس كثر حولي يركضون والرغيف خيّال، يركضون ركض الوحوش وإن جمعوا المال كان بلا راحة. لذا أجدنا ننام كل يوم على قلق ونصحو على قلق.

رميت عيناي حولي بتفكر، عائلة صغيرة، ومنزل صغير، نسمات باردة جميلة من فتحة صغيرة في الجدار خلقتها قذيفة عمياء في وقت سابق قمت بتحويلها إلى شباك صغير، في الخارج زريبة فيها عدة دجاجات يمنحنني البيض يومياً، وثلاث معزات يكفيان يدي عن طلب الحليب، وبقرة أعانني الله على شرائها قبل مدة، كما ليس في درج طاولتي ولله الحمد روشيتة طبية لأحد من عائلتي، وديوني لا تستوجب عزلة الناس ولا التفكير في الانتحار هرباً من سدادها كما فعل سوريين كثر.

كل ذلك يدفعني لأكون راضياً وممتناً. فهناك أشياء كثيرة لا نلقي لها بالاً هي نعمة، التغابي نعمة، والجار الطيب نعمة، كلب ينبح أمام منزلك نعمة، أصدقاء يرسلون لك رسائل للاطمئنان عليك بلا مصلحة أيضاً نعمة. قريب يركض نحوك حين يسمع أنك وقعت في مصيبة إنها بحق نعمة.

اقرأ أيضاً: متفرغ للحصاد والأعمال الأدبية – شاهر جوهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى