الرئيسيةيوميات مواطن

الانشقاقات العائلية في ظل الأزمة السورية: بين تحديات القتال وصراعات الولاء

مع اندلاع الأزمة السورية توالت الانشقاقات العسكرية التي لطالما تناولتها وسائل الإعلام، وأضيء عليها أكثر مما أضيء على آلام السوريين وأوجاعهم آلاف المرات، في حين بقي معتماً على الانشقاقات العائلية لأولئك المقاتلين الذين «انشقوا» عن عائلاتهم، ولم ينشقوا عن قطعاتهم العسكرية.

الذين اختاروا الانشقاقات العائلية على الانشقاقات عسكرية:

آلاف المقاتلين في صفوف الجيش السوري تعرضوا لضغوط شديدة من أجل الانشقاق، لكنهم رفضوا هذه الضغوط بما فيها العائلي منها، واختاروا الانشقاق عن عائلاتهم على الانشقاق عن المؤسسة العسكرية. ويقول فارس، وهو ضابط من الرستن في حمص، إنه عانى من مواجهة دعوات عائلته للانشقاق أكثر من معاناته في مواجهة المسلحين في إدلب وحلب.

بعض هؤلاء المقاتلين يمضي عامه الرابع بعيداً عن أهله وعائلته، فقد بات رفاق السلاح عائلته الجديدة، كحال جاسم، وهو مقاتل من دير الزور، يقول إنه لا يعرف أي معلومة عن أبيه وأمه منذ شباط العام 2013، مشيراً إلى أن آخر اتصال بينهم طالبه فيه والده بترك الجيش السوري والالتحاق بالمجموعات المسلحة، لكنه رفض رفضاً قاطعاً. ويمضي جاسم عامه السادس في صفوف الجيش السوري، وقد شارك في أكثر من 30 معركة في عدة محافظات.

ولا يخفي هؤلاء المقاتلين شوقهم الى أمهاتهم.
ويقول الضابط عبد القادر، وهو من ريف دمشق، إنه لا يحن لأحد في عائلته غير أمه. ويتحدث بكثير من الغضب عن عمه الذي حاول في العام 2011 اغتياله لأنه رفض الانشقاق، مؤكداً أن عمه ما زال يهدده بين الحين والآخر عبر الاتصال به هاتفياً، حيث يقول له «سآتيك وأذبحك».

ويقول عبد القادر «قد يكون ذلك سبباً من أسباب خياري القتال في صفوف الجيش السوري حتى النهاية، فإذا كان عمي بهذه الدموية، فكيف سيكون من لا يمتون لي بصلة قرابة».

ويقول ضابط في الجيش السوري إن نصف مجموعته مقاتلون يتحدرون من مناطق ساخنة، وهم ليسوا على علاقة جيدة بعوائلهم، إلا أنهم يبدون بسالة في القتال، ويتحدون الظروف الصعبة التي تواجههم، مضيفاً «إنهم يمضون عامهم الخامس على الجبهة، وبعضهم لم يحصل على إجازة منذ سنوات، لأنه لا يعرف إلى أين سيذهب، فلا عائلة لديهم ولا منزل ولا أقرباء، ومع ذلك فقد حررتُ معهم واحدةً من أهم التلال في ريف اللاذقية بساعات قليلة. إنهم بواسل».

اقرأ أيضاً: بالصور: سوريون يتهمون الجيش الروسي بـ “التعفيش”

بعض منهم تتغير آراءهم:

وتغير فكر عائلات بعضهم وهؤلاء المقاتلين لم يتغيروا. مهند، مقاتل من الرقة، كان أهله ضد الجيش ولطالما طالبوه بالانشقاق والانضمام إلى «حركة أحرار الشام» التي كانت منتشرة في الرقة قبل عامين، وحدثت قطيعة مطلقة بينه وبين عائلته قبل أن يعود التواصل بينهم مع سيطرة «داعش» على المدينة.

ويقول مهند «حينها أخبرني أبي بأنه يريدني أن أستمر في صفوف الجيش، وأنه ووالدتي يصليان لنا كي ننتصر، وقد غادرت عائلتي الرقة، وهي تعيش الآن في تركيا. كان هذا أجمل موقف صادفته خلال الحرب، لقد عزز إيماني بالقضية».

وتعد الانشقاقات العائلية من أكثر مفرزات الأزمة السورية تعقيداً، فهي تحوِّل الأخ والأب إلى عدوين في الموقف والاصطفاف، كما حصل مع خالد، وهو جندي من اللاذقية يقاتل على جبهة درعا، بينما يقبع والده في السجن بسبب أعمال عنف قام بها ضد الجيش السوري. واللافت أن خالد التحق بصفوف الجيش عقب اعتقال والده. وتقول والدته، في حديث إلى «السفير»، إنها «لا تعرف لمن توجه دعواتها، هل تتوجه بها للجيش السوري من أجل ولدها، أم للمجموعات المسلحة من أجل زوجها المعتقل!؟»، علماً أن ولدها أصيب بشظايا صاروخ مصدره المجموعات المسلحة قبل أكثر من عام.

العائلات التي تفرض الانشقاقات العائلية أحياناً:

صورة أخرى أفرزتها الأزمة السورية تمثلت بمقاتلين اضطرت عوائلهم إلى قطع العلاقة مع أبنائهم، وحتى نكران وجودهم بأحد أهم تجليات الانشقاقات العائلية الناجمة عن الحرب، خوفاً من بطش المجموعات المسلحة التي تسيطر على مناطق إقامتهم، فعائلة أحمد في إدلب ادَّعت أن ولدها الذي يقاتل مع الجيش السوري في خان الشيح توفي، لكي تبعد أذى «جيش الفتح»، الذي تقوده «جبهة النصرة»، في إدلب عنها.

مئات المقاتلين من هذا النوع استشهدوا على جبهات القتال، لكنهم لم يدفنوا في مدنهم أو قراهم أو إلى جانب أقرباء سبقوهم، وإنما تم دفنهم في مقابر الشهداء في المحافظات التي يقاتلون فيها، أو تلك التي أوصوا بأن يتم دفنهم فيها، حيث تجد في مقابر الشهداء في دمشق واللاذقية والسويداء وحمص وحلب والحسكة ودير الزور وغيرها عشرات الأضرحة لشهداء انشقوا عن عائلاتهم وشيَّعهم رفاق السلاح، لا أخوة الطين.

في المؤسسة العسكرية السورية يُنظر لهؤلاء المقاتلين بكثير من الاحترام والتقدير، حتى لدى المجتمع الحاضن الجيش السوري، حيث تتبنى بعض الأمهات طهو بعض الطعام ونقله إلى هؤلاء المقاتلين الذين يحاربون على جبهة الشوق لعوائلهم تارةً، وتارةً أخرى يحاربون على جبهات يواجهون فيها التنظيمات التكفيرية.

السفير – بلال سليطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى