الرئيسيةشباب ومجتمعيوميات مواطن

في قريتي لم نعد نتبادل التين والصبر بل نبيعه لنحصل على الطعام

سوريون يبيعون صبرهم.. ثم يطلبونه من الحياة

سناك سوري – خاص

أستذكر مع زميلتي في العمل ماكنا نحظى به قبل سنوات، من أبناء قرانا الريفية التي تنعم بخيرات الزراعة فيها من مواسم الفاكهة الصيفية التي تنعش النفس، وتقول صديقتي: «الله يرحم أيام زمان ماكنا نشتري صبر ولاتين ولاحتى عنب كانوا الجيران يوزعوا من الموسم ما يفيض عن حاجتهم حتى أن أبناء القرية كلها كانوا يأكلون من رزق بعضهم البعض بمحبة وتبادل»، وأرد عليها: «إيه الله يرحم ويرحم، وياما بدنا نترحم على شغلات».

تشتهي زميلتي ومثلها أنا والكثيرين ممن لا يملكون شجرة صبر أو تين أو عنب، ثمرة من الأنواع السابقة هذا الصيف، ففي السابق، كانت أول قطفة من شجرة جيراننا تُطرح للتوزيع على الجيران، حتى “تطرح البركة” في الشجرة، بالمقابل على كل من تصله حصته من الثمار أن يدعو لصاحب الرزق بالبركة وأن “يرحم من نصب الشجر”، أما تعبير “سنة مباركة” فكان لابد أن يقال هو الآخر بعد أول تذوق للثمار.

بينما كانت القطفة الثانية من الشجرة تخصص للأقارب والأصدقاء في الأماكن البعيدة خارج القرية، وبعد ذلك بإمكان أصحاب الشجرة تناول ما يريدون منها وصنع ما يرغبون، فالمهم أنهم وزعوا من خيراتها على الجميع دون أن يبخلوا على أحد من “الموسم المبارك”.

اقرأ أيضاً: زيت الزيتون.. من الصدقة للمقايضة للشراء بالتنكة ثم البيع بالكيلو والغرام!

لكن لا يبدو أن “البركة” التي كنا ندعو بها قد طُرحت بالفعل، فاليوم ومع ارتفاع ثمن الفواكه وضغوطات الظروف المعيشية، بات أصحاب الشجرة ذاتهم، يمتنعون عن عملية التوزيع أو تصبح للدائرة الضيقة وفي الحدود الدنيا، لأن متطلبات الحياة قاسية ولابد من تأمينها بشتى الإمكانات المتاحة، كأن يباع موسم الشجرة، خصوصاً أن ثمن أقل نوع من الفواكه كالصبر مثلا 1200 ليرة، والعنب 3000 ليرة ومثله التين.

بتنا على مشارف اللحظة، التي نفتقد فيها جزءاً من عادتنا المحببة في التبادل والمنح كقرويين اعتدنا على الأخذ والبذل أيضاً، وهنا لا ألوم جاري صاحب الشجرة على الإطلاق، فأنا وهو ضحية ظروف معيشية صعبة جداً تجعلنا نستثمر القليل المتاح لتحسين حياتنا ما أمكن.

أتذكر كذلك في مرحلة ما، حين كان غالبية سكان القرية يملكون أبقاراً فيما عدا بيتين أو ثلاثة، كيف كان أهالي القرية يتناوبون على إرسال الحليب ومشتقاته لمن لا يملكون بقرة، بالمجان، وشيئاً فشيئاً ومع ارتفاع أسعار الحليب افتقدت هذه العادة بداية تسعينيات القرن الفائت، وها نحن اليوم نوشك أن نفتقد عادة إرسال ثمار الأشجار.

بالنسبة لي اليوم، آكل الصبر كل يوم، شأني شأن جاري الذي يبيع صبره ثم يشتهيه من الحياة، كذلك شأن سوريون كثر هذه الأيام.

اقرا أيضاً: سوريا.. ارتفاع أسعار الفواكه 25%.. لأيش الفكهنة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى