كم مرة هددك سائق “التايتنيك” بأنه لن يتقدم بك إذا “ما رجعت لورا”!
ألا يوجد في هذه البلاد أمل بالتقدم للأمام، من دون أن تسبقه خطوات كبيرة للوراء!
سناك سوري – سناء علي
«لورا ..لورا..ارجعوا شوي لورا»، ينادي سائق الباص الأخضر أو كما يسمى في اللهجة العامية باص التايتانيك لدينا في “اللاذقية”، والذي أكسبته حرب السنوات الثمان، شهرة واسعة حتى بات واحداً من علاماتها المميزة.
عند كل موقف للحافلة الخضراء المكتظة، ينزل عدد من الركاب لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ليصعد ما يفوق عدد أصابع اليدين والقدمين معاً.
«لورا ..يا شباب ..لو سمحتوا ارجعوا لورا»، يعود النداء مجدداً، فيتظاهر بعض الركاب بالرجوع مسافة قدمٍ واحدة أو اثنتين ..لإسكات السائق، الذي سرعان ما يهددهم بعدم السير قبل أن يتراجعوا “لورا”.
إنها المرة الأولى التي تستقل فيها السيدة الثلاثينية القادمة من “دمشق” والتي تعاني من مشاكل في التنفس، باص النقل الداخلي بناء على نصيحة صديقة لها، بتوفير النقود التي تدفعها لسائقي سيارات الأجرة، «لم لا أجرب ذلك» قالت لنفسها، خاصة بعد أزمة البنزين الأخيرة والتي زادت من أجور “التكاسي”.
وما إن تمكنت تلك السيدة من حجز مسافة قدمين بين الزحام حتى بدأت تكيل سلسلة من الشتائم لتلك الصديقة، وأطرقت رأسها بالأرض، فهي المرة الأولى التي تستقل فيها الباص وأقسمت بكل المقدسات أنها ستكون الأخيرة.
اقرأ أيضاً: ماذا حدث بعد ليلة عاصفة ؟
«لورا يا شباب ..ارجعوا شوي لورا» يعود صوت السائق منقذاً صديقة السيدة من شتائم جديدة، ينزل أحد الركاب لتبدأ عملية إعادة تموضع جديدة، والهروب من عمليات الالتحام الجسدي المقصودة وغير المقصودة، حيث أصبح رواد الباص الدائمين على دراية تامة، بقواعد الوقوف والنزول، وكيفية الهروب من الواقف المحرجة، فيما تشعر تلك السيدة أنها في عالم غريب لا تعرف التعامل معه.
«لورا يا شباب …لو سمحتوا ارجعوا لورا ».. يعترض بعض الركاب هذه المرة، تصرخ امرأة ستينية: «وين بدنا نرجع صارت الناس بضهر بعضها»، يتطور السجال بينها وبين السائق ليتحول إلى مناظرة بالأخلاق والقيم، تذوب السيدة الثلاثينية التي تصعد الباص لأول مرة خجلاً، لاعنة صديقتها ونصائحها، يوقف السائق الحافلة، مقسمأ أغلظ الأيمان أنه لن يتحرك خطوة واحدة للأمام، مالم يرجع الركاب إلى الوراء، يتظاهر البعض بالرجوع، يتململ آخرون وهم ينظرون لساعاتهم، تعلق إحدى النسوة على “كبر معلاق” السيدة التي أثارت غضب السائق، البعض يقول إنها محقة وآخرون يرون أن السائق محق أيضاً، فهناك أزمة نقل، والمواطنون الذين ينتظرون على الموقف يستحقون الركوب أيضاً، وفئة ثالثة لا يهمها سوى أن يتقدم الباص، الذي توقف عن التقدم ريثما تتم عملية الرجوع للوراء.
يعلو النداء مجدداً: «ما رح امشي خطوة لقدام إذا ما رجعتوا لورا»، يتمتم أحدهم من آخر الباص: «رجعنا كتير لورا، أكتر من هيك ما عاد فينا نرجع»، فيما يهمس آخر «ألا يوجد في هذه البلاد من أمل بالتقدم للأمام، من دون أن تسبقه خطوات كبيرة للوراء».
اقرأ أيضاً: الفاجعة كبيرة و الأمل في المعزاية – شاهر جوهر