الشاعر السوري الذي أتعبه المرض و قتله حب الشابة العراقية!
سناك سوري _محمد العمر
لم تعرف النساء المتحلقات حول “سامية ليلى” أن طفلها الذي أطلق صرخته الأولى سيصبح ذا شأن عظيم، و أن يوم ولادته في 10 آذار 1954 سيبقى مذكوراً بعد أكثر من نصف قرن وأن الاسم الذي لن يُنسى يعود لـ”رياض الصالح الحسين”.
ينحدر “الحسين” من قرية “مارع” في ريف “حلب” رغم أنه وُلِد في “درعا” جنوباً بسبب تنقّل والده بحكم عمله كمساعد أول في الجيش السوري.
درسَ “الحسين” في المرحلة الابتدائية في مدارس “دمشق” لكنه اضطر لترك الدراسة لاحقاً بسبب إصابته بقصورٍ كلوي، وحين أجرى عملية جراحية في الثالثة عشرة من عمره فقد القدرة على النطق والسمع.
عاش بعدها في “حلب” حيث بدأ العمل كعامل مياوم في معمل للغزل، و تعرّف خلال وجوده في “حلب” على عدة شعراء أبرزهم “علي كتخدا” و”بشير البكر” وبدأ بنشر القصائد عام 1976 في مجلة “جيل الثورة” الجامعية.
بعدها بعام واحد دخل إلى الأبد في عالم قصيدة النثر وأصبح منذ تلك اللحظة واحداً من أهم شعراء النثر في العصر الحديث على المستوى العربي.
تعامل “الحسين” مع اللغة بطريقة أخرى، ربما بطريقة تشبه حياته القصيرة المثيرة، فكانت قصائده مشبعة بحالات الفقر والغضب والمرض التي كان يمرّ بها إضافة إلى شحنه الكلمات بالكثير من الحب والثورة ومن يقرأ قصائده يرى بوضوح أن “الحسين” تنبّأ باكراً بالحرب واستخدم مفرداتها كثيراً و كأنه يعيش فيها فيقول في صورة تنبؤية من إحدى قصائده قبل عقود:
راعي بقر مكسيكي
يمتطي دبَّابة سمينة
أسنانه في نهد خطّ الاستواء
وأصابعه تلعب البوكر في داريا
جزمته في طهران
ودماغه في واشنطن
راعي بقر مكسيكي
أطلق قذيفة واحدة
فأصاب ثلاث عائلات
الأولى: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
الثانية: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
الثالثة: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
حين انتقل إلى “دمشق” تعرّف إلى “الماغوط” و”نزيه أبو عفش” و”فرج بيرقدار” والعديد من أعلام الأدب السوري في العاصمة.
اقرأ أيضاً: “أديب البحر” يغير عنوانه… الراية الشيوعية في وداع “حنا مينة”
كان “الحسين” يسارياً فطرياً رغم عدم انتمائه إلى أي حزب، لكن طبيعة ظروفه وأفكاره جعلته مليئاً بالميول التحررية، كان باحثاً دائماً عن الحرية التي كرّرها في قصائده ككلمة سر تكشف أعماقه.
شارك مع مجموعة من الشيوعيين بإصدار نشرة عنوانها “الكراس الأدبي” تعرّض للاعتقال بسببها وأفرج عنه لاحقاً لكنه لم يخرج من عالم السياسة والشعر مستمراً بنشر مجموعاته الشعرية مثل “خراب الدورة الدموية” و”أساطير يومية” وكان آخرها “بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس” قبل وفاته بخمسة أشهر وحمل مقدمة للكاتب “سعدي يوسف” إضافة إلى صورة غلاف بريشة “يوسف عبد لكي “.
يروي الرسام والشاعر السوري “منذر المصري” الذي كان صديقاً لـ”الحسين” في مقدمة كتاب “الأعمال الكاملة لرياض صالح الحسين” أن أزمة عاطفية قاسية تعرّض لها “الحسين” بعد نهاية علاقته مع “هيفاء أحمد” العراقية التي خطبها “الحسين” رسمياً و كان يتحضّر للزواج منها، لكنها أنهت علاقتها به إثر خلاف بينهما ليتعرض لأقسى صدمة في حياته جعلته ينعزل طويلاً في منزله وينهار صحياً بسبب التدخين والكحول وقلة الطعام وحين افتقده أصدقاؤه زاروا غرفته ليجدوه مكوماً فوق السرير يهلوس بكلام غير مفهوم قبل أن ينقلوه إلى المشفى بحالة إسعافية لكن بقاءه بعدها لم يدم طويلاً حيث فارق الحياة عصر 20 كانون الأول 1982 قبل أن يبلغ التاسعة والعشرين من عمره.
رغم حياته القصيرة زمنياً و ظروف مرضه والنهاية الدرامية التي توفي بها إلا أن بصمة “الحسين” الشعرية لا تزول من تاريخ قصائد النثر في الشعر العربي المعاصر ويذكر “المصري” أن آخر قصيدة كتبها “الحسين” ونشرت بعد وفاته ضمن ديوان “وعل في الغابة” عنوانها “اعتياد” يقول في سطرها الأخير “لقد اعتدت أن أنتظركِ أيتها الثورة”.
يقول الحسين :
يايا سورية الجميلة السعيدة
كمدفأة في كانون
يا سورية التعيسة
كعظمة بين أسنان كلب
يا سورية القاسية
كمشرط في يد جرَّاح
نحن أبناؤك الطيِّبون
الذين أكلنا خبزك و زيتونك و سياطك
أبدًا سنقودك إلى الينابيع
أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء
و دموعك بشفاهنا اليابسة
أبدًا سنشقّ أمامك الدروب
ولن نتركك تضيعين يا سورية
كأغنية في صحراء.
اقرأ أيضاً: ممدوح عدوان كتب عن حيونة الإنسان ودافع عن الجنون … 13 عاماً على الرحيل