في باب شرقي.. حكاية قصيرة تكشف ما يخفيه تحريض الفيسبوك عن السوريين
سوريا الصغيرة داخل سيارة: حكاية 4 شابات ودرس غير متوقع في الأمان
 
						الساعة تشير إلى العاشرة مساء بتوقيت العاصمة دمشق، أنهي التحضيرات الأخيرة للخروج في سهرة مع 3 صديقات من دير الزور، ريف دمشق وطرطوس، أتجاوز مخاوفي قليلاً أنا القادمة من اللاذقية، بتشجيع منهنّ، الوجهة باب شرقي، لا بأس سنخرج معاً في تاكسي واحد، وسأكسر حاجز الخوف قليلاً، هنا في دمشق كل شيء مختلف حتى الأمان، لأول مرة أشعر بأنها تمنحني حرية من نوع ما!
سناك سوري-غريبة في دمشق
حضر صاحب التاكسي الذي طلبناه من أحد تطبيقات التوصيل، شاب نحيل في الثلاثين من عمره يرتدي زياً رسمياً باللون الأبيض، همسنا قليلاً ببعض التنمر “سائق تاكسي ببدلة رسمية”، في الطريق الطويل نوعاً ما من شارع الحمرة إلى باب شرقي، تدخل السائق: “لهجاتكنّ مختلفة من أين أنتنّ؟”، أخبرناه، ارتسمت على محياه ابتسامة عفوية، “يا الله من زمان ما حسيت بهيك راحة”.
طيلة الطريق كنا نتشارك الذكريات، سائق التاكسي الدمشقي يمتلك أصدقاء وتفاصيل رحلات سابقة إلى اللاذقية، تحدث وتحدث لم يترك مجالاً لنا، حين وصلنا أخبرنا بأنه شعر بألفة غريبة فكل سوريا كانت معه في السيارة، على حد تعبيره.
أتجاوز مخاوفي قليلاً، أنا القادمة من اللاذقية، بتشجيع منهنّ… سأكسر حاجز الخوف قليلاً.
في المقهى كانت الحياة تصرخ بكل تفاصيلها، أمر لم أعشه منذ آذار الماضي، تفاصيل أفتقدها جداً في مدينتي، مضى الوقت جميلاً لكنه انتهى بسرعة، صديقتي من ريف دمشق تريد العودة باكراً لتضمن العثور على سيارة وأنا أريد الذهاب للفندق والنوم بعد نهار عمل مضني في ورشة التدريب التي جمعتنا في العاصمة.
خرجنا معاً طلبت إليها أن توصلني وافقت على الفور، حضر سائق تاكسي آخر، تفحصناه وأدركنا أنه من النوع “يلي ما بيخوف”، هناك شيء ما يبعث على الطمأنينة، أخبرتها أن تنزل بأقرب مكان إلى وجهتها، وافقت وحين نزلت قالت له: “هي بأمانتك”، أجاب: “بعيوني”.
“خايفة؟”، سألني، شعرت ببعض التوتر أخبرته بالنفي، قال لي: “من الساحل؟”، أجبته نعم، “نحن أخوة لا تقلقي”، ثم بدأ يسرد لي أنه سوري فلسطيني، خرج من دوما نازحاً قبل عدة أعوام، استقر في دمشق لديه طفلة وزوجة، ويعمل سائق تاكسي وفي مكتب عقاري على الهاتف، وعمل ثالث لم أعد أذكره، “بدنا نعيش” أخبرني، ورددت: “كلنا نعمل لساعات طويلة”، يبدو أننا مهما افترقنا وانقسمنا، يأتي الفقر والتعب ليكون قاسماً مشتركاً يجمعنا من حيث لا ندري..
يبدو أننا مهما افترقنا وانقسمنا، يأتي الفقر والتعب ليكون قاسماً مشتركاً يجمعنا من حيث لا ندري.
الـ12 والربع بعد منتصف الليل، وصلت إلى الفندق، الحياة في الخارج ماتزال مزدحمة، وأنا مطمئنة للدرجة التي نمت فيها بعمق لأول مرة منذ زمن بعيد، في صباح اليوم التالي كان موعد العودة إلى اللاذقية، أمسكت هاتفي طلبت سيارة من التطبيق، “سنتافيه واسم السائق”، ضحكت لدرجة أن الناس في الشارع بدأوا ينظرون إلي، وأنا أحدث نفسي: “ماهي فرص أن تطلب ابنة الساحل سيارة وطلع سنتافيه وتبقى بكامل قواها العقلية؟”.
شاركت السكرين مع صديقاتي ضحكنا، لكني كنت مطمئنة مجدداً، ذكريات اليوم الفائت منحتني الأمان والحلم بسوريا تشبه أبنائها.
في تلك الليلة، لم نكن أربع شابات فقط نبحث عن سهرة هادئة في شوارع دمشق. كنا نعيد اكتشاف بلدنا من خلال بعضنا، نكسر حواجز الخوف بالصداقة، ونستبدل التوجّس بالثقة، لا شيء يوحّد الناس أكثر من لحظة صدق، أو ابتسامة من سائق غريب يقول لك: (نحن إخوة، لا تقلقي)، ربما لا نملك حلولاً كبرى، لكننا نملك هذا أن نلتقي، ونصغي، ونمنح بعضنا شعوراً بسيطاً بالأمان، وهذا، في بلدنا، هو شكل من أشكال السلام.

 
					







