
أعاد العميد المنشق عن نظام الأسد “مناف طلاس” في أول ظهور له طرح فكرة تأسيس “المجلس العسكري” التي سبق له طرحها منذ العام 2012، كما حاول القول بأشكال مختلفة أنه مجلس لتوحيد البلاد وليس مجلس لقيادتها كسلطة انتقالية.
سناك سوري-بلال سليطين
على مدى قرابة 3 ساعات أجرى العميد “مناف طلاس” حواراً حضره حوالي 200 شخص بينهم دبلوماسيون وسياسيون ونشطاء أجانب، بينما كان الحضور السوري هو الطاغي في المعهد العالي للعلوم السياسية في باريس.
بدا “العميد” في ظهوره الأول دبلوماسياً إلى جانب كونه عسكرياً باختلاف واضح بين ظهوره 2012 واليوم بعد 13 عاماً، وقد شبّه البعض التطور الذي ظهر به، بالتطور الذي شهدته مسيرة الزعيم السياسي اللبناني “سعد الحريري” والاختلاف الكبير بين أسلوب حديثه الضعيف سياسياً في بداياته والتغير الكبير في أسلوبه وخطابه.
انتقاد الإقصاء والطائفية
انتقد في البداية لغة الإقصاء والإلغاء التي تسود المرحلة الانتقالية، والخطاب الطائفي التحريضي، مشيراً أن سوريا “طريقة تفكير وليست جغرافيا” وهي “ترفض أي شخص يفكر بمنطق الطائفة”، مذكراً أن إسلام سوريا هو الإسلام الصوفي والأشعري.
ثم بدأ حديثه من سوريا قبل 125 عاماً معبراً أنها كانت مرحلة بناء سلطات أكثر مما هي مرحلة بناء، ورأى أن الثورة انطلقت في عام 2011 لكي يدخل السوريون الدولة ويبنوها وليس لكي يسقطوا نظام فحسب. وأن الثورة أنهيت عند تشكيل المجلس الوطني عام 2012 وأصبحت سوريا تسير وفقاً لأجندات دولية.
المجلس العسكري كما يراه مناف طلاس
وقبل أن ينتقل لمرحلة ما بعد الثورة أقر “طلاس” بأنه فشل بحماية المؤسسة العسكرية وتحييدها عن المواجهة، والذي كان أحد أهدافه في عام 2012. مبيناً أنه اختار منذ البداية ألّا يحمل البندقية في مواجهة سوريين مهما كانت الظروف، لذلك خرج من سوريا.
فكرة المجلس العسكري التي تبناها “طلاس” لم يُكتب له النجاح لأسباب عديدة بينها التدخلات الخارجية والتوافقات الدولية التي منعت انهيار نظام الأسد 2012 وحافظت عليه حتى كانون الأول 2024، مبيناً أن هذه التوافقات شهدت خللاً بانشغال أميركا في انتخابات الرئاسة فاستغلته تركيا وأسرعت في إسقاط الأسد.
لكن أسباب إعادة طرحه للمجلس اليوم تتلخص في أنه يرى حاجة سوريا لمجلس عسكري وطني يوحد القوى العسكرية وطنياً، وهو لم يستثنِ أي قوة عسكرية في طرحه من قسد للمجلس العسكري في السويداء لعناصر الجيش السابق لفصائل المعارضة والجيش السوري الحالي لكنه حصرها بمن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين.
بالوقت عينه كرر ما له علاقة بعدم رغبته في منافسة أحد وبأن العسكر لا يريدون أن يحكموا سوريا وأن الهدف توحيد البندقية وتحويلها لبندقية وطنية وجيش وطني من دون أجندات خارجية.
لكن شكل الجيش بالنسبة له غير ديني غير طائفي يشبه كل السوريين، جيش علماني يحقق الأمان للجميع دون استثناء ويحمي المرحلة الانتقالية.
انتقاد المرحلة الانتقالية … الدبلوماسية
انتقد “طلاس” المرحلة الانتقالية بشدة لكنه كان دبلوماسياً حذراً في مفرداته، فقد عبّر بشكل مباشر عن تمنياته أن ينجح الرئيس الانتقالي “أحمد الشرع” في إدارة المرحلة الانتقالية. لكنه عاد وبيّن أن طريق النجاح يبدأ باستيعاب الآخر والمشاركة الحقيقية غير الشكلية وعدم التفرد بالسلطة التي يرى أنها لسلطة اللون الواحد.
خارطة طريق.. كما يراها طلاس
حوار طلاس بُني على أسئلة تفصيلية تخرج منها إجابات تشكّل خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية التي يراها “طلاس”، والذي أكد على قرار مجلس الأمن 2254 ورأى ضرورة تطبيق روح القرار(سواء نفسه أو تعديله) المتمثلة بمرحلة انتقالية تشهد حكومة انتقالية وكتابة دستور وانتخابات، وأن دور المجلس العسكري هو حمايتها، معتبراً أن خارطة الطريق الأممية هي الأفضل حالياً.
أزمة الثقة.. غياب الأمان والعدل
الاقتصاد يُبنى على الثقة والثقة غير موجودة من وجهة نظر طلاس، الذي يرى أن “الكلام الجميل” لا يبني الدولة ولا يجلب الاستثمار فالمستثمر يجب أن يتلمس وجود “أمان” و”عدل”.
السوريون بالخارج خصوصاً مَن اكتسبوا خبرة العمل المؤسساتي والمعرفة يجب أن يكونوا أساس المرحلة الانتقالية وكوادرها، وعقلهم المؤسساتي كما وصفه يمكنه أن يبني الدولة ويسهل عودة جميع السوريين بالخارج.
الحريات والانقسام
الحريات في سوريا ليست بحالة جيدة برأي “طلاس” فهناك قلة ثقة وخوف وتموضع وانقسام يحوّل كل كلمة الى مواجهة بين سوريين، ولا يوجد مساحة للنقد وتغلق سبل الالتقاء، بينما البلاد تحتاج ألّا نكون مصطفِّين إلا مع الحقيقة، وأن نقول نحن كيف نريد بلدنا وليس ما يقوله الخارج. كيف نريد بناء الدولة وليس بناء سلطة جديدة.
اختلال دولي وعمق عربي
الاختلال الدولي اليوم فرصة بالنسبة للسوريين لكي يستغلوا المساحات والفراغات والتناقضات بين الدول، لكي يضعوا مشروعهم أولاً، ورأى العمق العربي هو الأساس لسوريا في حمايتها وحماية عمقها وأمنها القومي.
التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي
أما التطبيع مع الاحتلال “الإسرائيلي” فليس هذا وقته، فكيف يكون التطبيع والسلام وإسرائيل تقصف سوريا كل يوم، يتساءل “طلاس” ويجيب أن سوريا ليست اليوم بوضع يؤهلها لاتخاذ قرارات سليمة بهذا الإطار، وتحتاج لوقت لكي يكون اتفاق السلام من أجل سوريا وليس من أجل السلطة. مشيراً في الوقت نفسه أنه ليس ضد السلام لكن السلام لا يأتي مع الخوف ويحتاج أن تكون قوياً.
خطوات انتقالية
الشعب يحتاج خطوات حقيقية من السلطة، في إعادة بناء جيش وطني، في الابتعاد عن اللون الواحد، والتأسيس للمشاركة فكل جماعة فيها الجيد والسيء ولا يمكن أن تكون أنت وحدك الجيد وكل الآخرين سيئين، ويرى “طلاس” أن من الخطوات بناء دولة المؤسسات وليس السلطة وتوحيد سوريا على أساس العدل والأمان والثقة.
التواصل والقدرة على تشكيل مجلس عسكري
وحول التواصل مع السلطات الانتقالية في سوريا، بيّن “طلاس” أنه لا يوجد تواصل بينه وبين السلطة لكن ليس لديه مشكلة بالتواصل معهم.
وأكّد قدرته على تشكيل مجلس عسكري وبناء جيش وطني ويمثل الجميع ويشارك فيها الجميع، مؤكداً أنه يتواصل مع الجميع ومن كل الأطراف على الصعيد العسكري ولديه علاقات.
الموقف من اللا مركزية.. وحدة سوريا
موقفه من اللا مركزية كان أقرب للمركزية المرنة، فقد عبّر أن توحيد سوريا لا يكون بالقوة بل بتقديم نموذج الحكم الجيد مركزياً وتشكيل الجيش الوطني بحيث تدفع المحليات نحو المركز بالايجابية والسلوك الجيد والثقة، لكنه كان ميّالاً لنظام الحكم المركزي الذي يثق به كل السوريين، وأصر على الإدارة المحلية الموسعة وليس الفيدرالية أو اللا مركزية السياسية.
في نقطة أخيرة لا بدّ من الإشارة لها لم يذكر طلاس في حديثه الديمقراطية لكنه في أسئلة جانبية أشار إلى أن المجلس العسكري يحمي نتائج الانتخابات.
خاتمة
لم يظهر العميد “مناف طلاس” بأول ظهور له في موقع المواجهة الحادة، بل قدّم مشروعه كمبادرة تُطرح على الطاولة مقابل مشاريع أخرى. مشروعه يقوم على مجلس عسكري وطني يحمي مرحلة انتقالية مبنية على 2254، وعلى إعادة بناء جيش جامع ودولة مؤسسات. لكن قابلية هذا المشروع للتطبيق، وكيف سيتلقى السوريون والسلطة الانتقالية طرحه، هو ما سيبقى قيد الاختبار في المرحلة المقبلة.








