أخر الأخبارالرئيسيةتقاريرمختارات

الإدارة المحلية فوضى الحوكمة ومركزية القرار

سوريا.. نفوذ واسع لمدراء المناطق وغياب واضح لوزارة الإدارة المحلية

رغم مرور قرابة 9 أشهر على بدء المحافظين في سوريا ممارسة مهامهم إلا أنه حتى اليوم لم يصدر مرسوم عن رئيس الدولة بتعيين أي من المحافظين ما يثير تساؤلات قانونية حول نظام الإدارة المحلية المعمول به في سوريا والمرجعية القانونية التي يُستند إليها تحديداً على صعيد الحوكمة والإدارة المحلية التي تعد قضية المحافظين فيها جزء من سلسلة ملفات نستعرضها في هذا التقرير.

سناك سوري – بلال سليطين

يعد القانون 107 الصادر عام 2011 المرجع الرئيسي لنظام الإدارة المحلية في سوريا والذي لم يصدر أي مرسوم بتعديله أو تعليق العمل فيه بعد سقوط نظام الأسد. وينص القانون أن المحافظ هو ممثل السلطة المركزية وهو عامل لجميع الوزارات ويعين ويعفى من منصبه بمرسوم.

ومنذ 8 كانون الأول 2024 حتى آب 2025 جرى تعيين محافظين في 12 محافظة سورية بعض المحافظات شهدت تغييرات في شخصيات المحافظين كمحافظة دير الزور التي تولى منصب المحافظ فيها “حسين السلامة” (أبو مصعب الشحيل) قبل أن يتولى رئاسة جهاز المخابرات السورية، ويعين “غسان السيد” عوضاً عنه كمحافظ لدير الزور، إلا أن المحافظين لم يصدر أي مرسوم يتعلق بهما. وبحسب 4 مصادر في ديواني محافظتين ودائرتي الشؤون القانونية فإنهم أكدوا أنهم لم يدونوا في سجلات المحافظة أي قرارات أو مراسيم تعيين أو إعفاء ولا يوجد أي ورقة أو مستند نصي يشير لطريقة تعيين المحافظين.

يقسم المحافظ أمام رئيس الجمهورية قبل مباشرته أعماله اليمين القانونية

وكذلك الحال في الوثائق الرسمية التي نشرتها الجريدة الرسمية وتضمنت مراسيم رئيس الجمهورية وقرارات وزارة الإدارة المحلية لايوجد أي مرسوم بتعيين أو إقالة أي من المحافظين أو بتعديل طريقة التعيين والتكليف.

كما أن المحافظ وفق المادة 40 من قانون الإدارة المحلية:«يقسم المحافظ أمام رئيس الجمهورية قبل مباشرته أعماله اليمين القانونية». وبحسب مختلف المصادر فإن جميع المحافظين لم يؤدوا اليمين أمام الرئيس “أحمد الشرع” حتى الآن.

الأمر الذي يجعل آلية تعيين المحافظين ضبابية وغير مستندة إلى مرجعية قانونية معلنة، وهو ما يطرح أسئلة حول شرعية القرارات التي يتخذونها وصلاحياتهم الفعلية. فإذا كان القانون 107 ينص بوضوح على أن تعيين المحافظين يتم بمرسوم رئاسي، فإن غياب هذه المراسيم يعني عملياً أن المحافظين الحاليين يمارسون سلطاتهم في فراغ قانوني.

تعيين رئيس مجلس مدينة قبل إقالة الرئيس الموجود!

إن الغوص في تفاصيل عمل الإدارة المحلية يعكس وجود خللٍ إداري وقانوني واسع، ووجود ما يمكن وصفه بالأزمة القانونية في بعض القرارات والتفاصيل.

في 22 حزيران 2025 أصدر وزير الإدارة المحلية قراراً بإعفاء رئيس مجلس مدينة جبلة “أحمد قناديل” من منصبه، وقرار الإعفاء يأتي بينما هناك رئيس مجلس مدينة آخر معين ويمارس مهامه. وبالتالي قانونياً فإن “قناديل” كان رئيساً لمجلس المدينة حتى تاريخ 22 حزيران بينما فعلياً كان “ياسر الحموي” هو رئيس مجلس المدينة ويوقع قراراته بصفته القانونية رئيساً للمجلس.

علماً أن قرار إعفاء “قناديل” لم يرفق بقرار تعيين “الحموي” الذي لم نتمكن من العثور على قرار تعيينه في الجريدة الرسمية التي يفترض لزاماً أن ينشر فيها في إطار الشفافية والمرجعية القانونية. وبالتالي فإن آلية تعيينه ماتزال غير واضحة وغير شفافة وتعكس ازدواجية في المسؤولية القانونية وأحياناً ضياع فيها.

هذا التضارب بين النص القانوني والممارسة الفعلية لا يقتصر على حالة جبلة وحدها، بل يعكس نمطاً متكرراً في الإدارة المحلية يقوم على تجاوز الأطر التشريعية واعتماد قرارات مبهمة أو غير منشورة رسمياً، ما يضعف مبدأ الشفافية ويقوّض الثقة في المؤسسات.

إدارة محلية غير متجانسة..

في ظل حالة من انعدام النصوص والمستندات التي توضح الإجراءات والآليات والقرارات وجدنا أنه لابد من الاستعانة بالمصادر الرسمية المفتوحة وعلى رأسها المنابر الرسمية للمحافظات بالإضافة للتجارب والشواهد من العاملين والمتعاملين مع الأمانة العامة لكل محافظة.

نظرياً فإن قانون الإدارة المحلية 107 لايزال القانون المعتمد في سوريا نظراً لعدم صدور ما يعارض ذلك من جهة. وكذلك بناء على الحاشية التي ترفق بالقرارات على مستوى المحليات ويشار إلى استنادها للقانون 107 وكذلك لتصريحات رسمية تشير إلى أن المرجع هو القانون 107.

تؤكد حاشية محافظ درعا هنا على مرجعية القانون 107 في عمل الإدارة المحلية

والقانون يحدد آلية مشتركة ناظمة للعمل لجميع الوحدات الإدارية بحيث تكون الإدارات المحلية ومناصبها تستند إلى مرجعية قانونية موحدة. لكن إذا نظرنا للمحافظات وتفاصيل العمل فيها على الأرض نجد آليات ونظم عمل ومراجع قانونية مختلفة بعضها غير مفهوم حتى.

في محافظة حماة يسمى المكلّف بتسيير أعمال رئيس مجلس مدينة حماة الذي أقيل شفهياً بـ “المكلف بأعمال وزارة الإدارة المحلية في حماة” وهو منصب لم نرصد مثيلاً له في أي محافظة أخرى.

في حمص أمين عام المحافظة تم تكليفه بالإشراف على عمل الوحدات الإدارية بينما في حلب تم استحداث منصب رئيس الوحدات الإدارية في المحافظة وهو ذاته رئيس مجلس مدينة حلب والأمر عينه في اللاذقية.

لكن في طرطوس رئيس الوحدات الإدارية كان رئيس مجلس المدينة قبل أن يعين “شادي حليمة” رئيساً لمجلس المدينة لكن لم تتم الإشارة لطريقة التعيينه ولا كيفيتها. علماً أنه يجب تعيين رئيس مجلس المدينة بقرار من الوزير.(عند إصدار قانون الإدارة المحلية 2011 كان التعيين يأتي بمرسوم لكن تم تعديل القانون لاحقاً).

أما في دير الزور فاسمه “مكلف بتسيير الوحدات الإدارية” وكان لافتاً أنه أصدر قراراً بتعيين “ماجد خطاب” بصفة رئيس مجلس مدينة دير الزور وهذا بخلاف جميع المحافظات الأخرى التي لم تنشر القرار. إلا أن اللافت بقرار التعيين أنه لا يذكر اسم “المكلف بتسيير الوحدات الإدارية”. وبالاطلاع على قرارات رئيس مجلس المدينة المعيّن، نرى أنّه يُقدَّم بصفته رئيساً لمجلس المدينة مباشرة، من دون الإشارة إلى كونه مكلَّفاً، ما يوحي إمّا بوجود تعديل قانوني يجيز لمسير الوحدات الإدارية تعيين رئيس مجلس مدينة بدلاً من وزير الإدارة المحلية، أو بأنّ هذه الآلية استُحدثت محلياً من دون مرجعية قانونية واضحة.

المكلف بتسيير الوحدات الإدارية يعين رئيس مجلس مدينة دير الزور

بالمقابل فإن دير الزور المحافظة الوحيدة التي أصدر وزير الإدارة المحلية قراراً بتعيين مكتب تنفيذي لها ونشرته الجريدة الرسمية. بينما لم تنشر الجريدة قرارات تشكيل مكاتب تنفيذية في درعا التي عُيّن فيها مكتب تنفيذي!.

وهذا يعكس بوضوح حالة التفكك وعدم التجانس في بنية الإدارة المحلية، حيث تُدار المحافظات وفق أعراف وإجراءات متباينة لا تستند دائماً إلى نصوص قانونية نافذة، بل أحياناً إلى اجتهادات أو تعليمات غير منشورة. النتيجة هي أن النظام المحلي الذي يُفترض أن يكون موحداً وفق القانون 107 تحول عملياً إلى مجموعة أنماط متباينة، تتراوح بين الالتزام الجزئي بالقانون كما في درعا وحمص، والتجاوز أو الابتكار خارج النصوص كما في حلب واللاذقية وطرطوس.

عودة إلى قانون البعث 1971

من الواضح أن المكتسبات النظرية القليلة التي حصلتها اللامركزية الإدارية على مستوى القانون 107 الذي جعل الوحدات الإدارية شخصيات اعتبارية وساوى بينها “محافظة، مدينة، بلدة، بلدية”، أو على مستوى المجالس المحلية التي استحدثتها المعارضة السورية كبدائل تمثيلية وحوكمة محلية. تم التراجع عن كثير منها مؤخراً وأصبحت الإدارات المحلية على مستوى البلديات ومجالس المدن مؤسسات خدمية محدودة وليست إدارات محلية.

فالنظام الحالي المطبق عملياً بعيداً عن المرجعية النظرية قريب إلى حد كبير من القانون 15 لعام 1971 والذي كان يعتمد مبدأ التراتبية بين البلديات لناحية التبعية من الأصغر إلى الأكبر.

وهذا الأمر يتجلى بتبعية هذه الوحدات الإدارية لرئيس الوحدات الإدارية في مركز المحافظة، وهو رئيس مجلس مدينة مركز المحافظة أيضاً.

كما يتم تجميع كل مجموعة مجالس في تجمعات تمنح أرقاماً، وعلى سبيل المثال تم تشكيل تجمع من 11 مجلس مدينة في ريف دمشق منها “دوما، الضمير” وبلديات مثل “عدرا، الشيفونية”، وكُلّف رئيس مجلس مدينة “الضمير” بالإشراف على تجمع البلديات هذا.

واللافت أن من أصدر قرار تشكيل هذا التجمع هو مدير منطقة الغوطة الشرقية التابع نظرياً لوزارة الداخلية وليس لوزارة الإدارة المحلية. وموضوع دور مدراء المناطق سنتطرق له لاحقاً في هذا الملف نظراً لحساسيته وأهميته.

وهذا يقودنا إلى أن النظام الإداري المحلي في سوريا يتجه عملياً نحو إعادة إنتاج المركزية القديمة بصيغتها المشددة، بحيث تتحول المجالس والبلديات من كيانات اعتبارية لها صلاحيات في إدارة شؤونها، إلى أذرع تنفيذية محدودة الصلاحيات تابعة بشكل مباشر لرؤساء الوحدات في مراكز المحافظات، أو حتى لمدراء المناطق التابعين لوزارة الداخلية.

هذا الانزياح يعكس تراجعاً واضحاً عن روح القانون 107 ومبدأ اللامركزية، ويعيدنا إلى فلسفة “الوصاية” التي كانت مكرسة في قانون 15 لعام 1971، حيث تُختزل الإدارة المحلية في هرم تراتبي يخضع بالكامل للسلطة المركزية، ويُلغى أي مجال حقيقي للمساءلة أو المشاركة المجتمعية.

في ظل هذه البنية، تصبح الإدارة المحلية أداة لضبط المجتمعات بدل أن تكون وسيلة لتمثيلها، وهو ما يفرغ فكرة الحوكمة المحلية من مضمونها.

مدراء المناطق.. الإدارة المحلية الفعلية

فعلياً فإن مدراء المناطق هم الإدارات المحلية الفعلية في معظم المحافظات، وينتقل دورهم من الدور التقليدي الأمني إلى الدور السياسي والأمني والخدمي والاجتماعي…إلخ، بينما تتحول مهام رؤساء الوحدات الإدارية إلى منصب خدمي تنفيذي فقط.

وعلى الرغم من عدم وجود قانون أو قرار واضح بتغيير أدوار ووظيفة مدراء المناطق إلا أنهم يمارسون دوراً يشبه دور المحافظين على مستوى أدنى منه، حيث يمثلون أعلى سلطة في مناطقهم ويشرفون على عمل كل المؤسسات الحكومية حتى أن مدراء منطقة يناقشون سير العمل القضائي والإجراءات المتبعة فيه مع القضاة والمعنيين.

مدير منطقة يناقش سير العمل القضائي

ومدراء المناطق تابعون لوزارة الداخلية وليس لوزارة الإدارة المحلية ومع ذلك فإن مدير المنطقة يصدر قراراً بتشكيل تجمع بلديات ويكلف رئيس بلدية بإدارة هذا التجمع وهو ما يعكس وظيفة تفوق دورهم ومهامهم. ويبدو أن التوجه نحو نظام حوكمة وإدارة تكون فيه الأولوية لمدير المنطقة علماً أنه بالبحث عن مدراء المناطق وخلفياتهم يمكن القول إنهم ليسوا من أبناء المناطق التي يتولونها وبالتالي لايمكن أن نوصفهم بالإدارة المحلية البديلة، بل ممثلي الإدارة المركزية الذين يتولون صلاحيات الإدارة المحلية.

في إطار الإعداد لهذا التقرير حصلنا على مسودة للهيكلية الإدارية لمديريات المناطق وهي تتألف من مدير منطقة ومساعد إداري ومحاسب بالإضافة لـ 7 دوائر و17 شعبة وهذا يعني أننا أمام جسم إداري جديد فيه مالايقل عن 25 موظفاً ومن غير الواضح من أين تأتي موازنتهم.

إلا أن مدراء المناطق مرجعيتهم وزير الداخلية بينما دورهم يحل محل دور الإدارات المحلية ويأخذ منها البعد السياسي والاجتماعي وبالتالي يصبح لدينا تضارب صلاحيات وأدوار بين وزارة الإدارة المحلية والداخلية.

هذا الواقع يعكس أن مدراء المناطق تحولوا إلى نواة إدارة محلية موازية، لكن من خارج الإطار القانوني الناظم ومن دون أي شرعية تمثيلية. فهم يستندون إلى سلطة وزارة الداخلية، لكنهم عملياً يمارسون أدواراً تتجاوز تلك الحدود لتطال المجال الخدمي والسياسي والاجتماعي، أي ما كان يُفترض أن يكون من اختصاص الإدارات المحلية المنتخبة أو المعينة من المجتمع المحلي ذاته. وبهذا تصبح السلطة في المناطق مركزة بيد جهاز أمني إداري غير خاضع للمساءلة المحلية، ما يكرّس ازدواجية خطيرة: إدارة محلية شكلية عبر المجالس والوحدات، وإدارة فعلية عبر مدراء المناطق. هذه الازدواجية لا تُربك البنية الإدارية وحسب، بل تطيح بمفهوم اللامركزية من جذوره، وتعيد إنتاج بنية الدولة المركزية الممزوجة بالنفوذ الأمني، على حساب أي تصور لتمثيل محلي أو مشاركة شعبية في إدارة الشأن العام.

وزارة الإدارة المحلية… الحاضر غير الموجود

تبدو وزارة الإدارة المحلية عملياً الحلقة الأضعف في عمل الإدارة المحلية حالياً ويصف بعض رؤساء البلديات المعينين حديثاً وكذلك بعض الموظفين المعينين حديثاً في المحافظات العلاقة بين المحافظة ووزير الإدارة المحلية بغير المفهومة بينما يقول بعضهم أنها علاقة مقطوعة. فتكاد تكون وزارة الإدارة المحلية بعيدة تماماً عن واقع المحليات من وجهة نظرهم.

إننا أمام محاولة لإعادة صياغة الإدارة المحلية على نحو يُبقي السلطات بيد المركز، ويُضعف أو يُلغي فكرة التمثيل المحلي.

بينما بالمقابل يبدو أن لدى وزارة الإدارة المحلية توجه نحو شكل جديد للحوكمة مشغولة به حالياً وهذا الانشغال لم يترك فراغاً ملأه الآخرون بل هو جزء من تحول في الدور وإقرار بهذا التحول، حيث تتجه الوزارة نحو اعتماد ما تسميه مديرية الإدارة المحلية والخدمات والتي تخطط لتحل محل الإدارات المحلية الحالية بشكلها الذي نعرفه مجالس مدن وبلديات.

وخطة الوزارة الحالية يتم العمل عليها لتكون الطريقة المعتمدة حتى العام 2030 وهو العام الذي يقال في الأوساط أنه عام نهاية المرحلة الانتقالية في سوريا.

وفي ظل انكفاء وزارة الإدارة المحلية ومحدودية تدخلها في إصلاح الثغرات والأخطاء التي تشوب عملية الحوكمة والإدارة المحلية حالياً، فإن المخاوف تتزايد من أن تعيد الوزارة تعريف دورها وتنتقل من كونها مظلة تنظيمية للمجالس والوحدات الإدارية، إلى أن تصبح الفاعل المباشر في صياغة نموذج مركزي جديد يقوم على مديريات وخدمات بدلاً من الهياكل المنتخبة أو حتى المعيّنة تقليدياً. أي أننا أمام محاولة لإعادة صياغة الإدارة المحلية على نحو يُبقي السلطات بيد المركز، ويُضعف أو يُلغي فكرة التمثيل المحلي.

وزارة الخارجية مشاركة أيضاً

قبل أيام أعلنت وزارة الخارجية عن اجتماع عقده وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية “أسعد الشيباني” مع المحافظين وناقش معهم سبل التنسيق بين الجهود الدبلوماسية والخطط التنموية في المحافظات وكذلك آليات الاستفادة من الدعم الدولي في تحسين الخدمات وتكامل العمل بين السياسة الخارجية والجهود المحلية.

إلا أن اللافت في هذا الاجتماع أن وزير الإدارة المحلية لم يكن مدعواً إليه رغم أنه الوزير المختص والذي نظرياً أيضاً هو المشرف على عمل المحافظين.

اجتماع وزير الخارجية أسعد الشيباني مع المحافظين بغياب وزير الإدارة المحلية

 لكن إذا عدنا إلى لقاء رئيس الدولة خلال المرحلة الانتقالية “أحمد الشرع” مع المحافظين في نيسان الماضي، نجد أن وزير الإدارة المحلية لم يكن من بين الحاضرين أيضاً.

هذا يحيلنا إلى تراجع موقع وزارة الإدارة المحلية من صلب منظومة الحوكمة إلى هامشها، بحيث لم تعد حتى شريكاً في الاجتماعات العليا ذات الصلة بالمحافظين. فإذا كان وزير الخارجية يناقش مباشرةً مع المحافظين ملفات تنموية وخدمية، ورئيس الدولة يجتمع بهم من دون حضور الوزير المختص، فهذا يعني أن هناك إعادة توزيع للصلاحيات على نحوٍ يجعل دور وزارة الإدارة المحلية هامشياً أو يعيد تعريف دورها بعيداً عما عرفناه سابقا.

تفكك وضبابية قانونية

تُظهر الأمثلة والتفاصيل التي استعرضناها أن الإدارة المحلية في سوريا بعد سقوط النظام لم تستطع حتى الآن أن تتحول إلى ركيزة للحكم المحلي الرشيد، بل عاشت حالة من التفكك والضبابية القانونية. فالمحافظون يباشرون عملهم من دون مراسيم، ورؤساء مجالس المدن يعينون أو يُعفون بقرارات مبهمة أو عبر مسيّرين بلا مرجعية قانونية، فيما تتوزع السلطات فعلياً بين وزارات متعددة، أبرزها الداخلية والخارجية، على حساب وزارة الإدارة المحلية ذاتها.

هذا الواقع يعكس أن روح القانون 107 الذي نظّر للامركزية وتوسيع صلاحيات الوحدات الإدارية قد تآكلت عملياً، وعاد النظام الإداري أقرب إلى قانون البعث لعام 1971 القائم على المركزية والتراتبية الصارمة. وفي ظل تحول مدراء المناطق إلى إدارات فعلية غير واضحة آلية مساءلتها، وغياب أي دور واضح للمجالس المنتخبة أو حتى المعينة، باتت الإدارة المحلية أقرب إلى هياكل أمنية – خدمية مهمتها ضبط المجتمعات أكثر من تمثيلها.

وإزاء هذا المشهد، فإن الحوكمة المحلية في سوريا تواجه أزمة مزدوجة: قانونية – لجهة غياب المراسيم والقرارات المعلنة، ومؤسسية – لجهة تضارب الصلاحيات وتعدد المرجعيات. ومع إعلان وزارة الإدارة المحلية خططاً لإعادة هيكلة النظام حتى عام 2030، تتزايد المخاوف من أن يكون المستقبل محكوماً بمركزية أكثر إحكاماً، تعيد إنتاج الدولة الأمنية بصيغة معدّلة، بدل أن تكون المرحلة الانتقالية فرصة لبناء نظام محلي ديمقراطي يكرّس التمثيل والمساءلة والشفافية.

زر الذهاب إلى الأعلى