الطوائف في الخطاب الرسمي.. أين المواطنة؟
البحث عن خطاب المواطنة.. مواطنون قبل كل شيء

مع بدء المرحلة الانتقالية في رواندا بعد حرب أهلية دامية، رأت السلطات أهمية توحيد المجتمع تحت هوية وطنية واحدة، فكان شعار المرحلة الانتقالية “أنا رواندي” في محاولة لتعزيز الهوية الوطنية على حساب الهويات الضيقة والتي كانت جزء من الحرب في “رواندا”.
سناك سوري-خاص
وفي بلد أنهكته الحرب والانقسامات، تصبح اللغة في البيانات الرسمية أكثر من مجرد عبارات بروتوكولية، فهي مؤشر على كيفية رؤية الدولة لمواطنيها، ورسالة تحدد شكل العلاقة معهم، ومع ذلك، تشهد بعض الصفحات الحكومية السورية منذ بداية العام تكراراً ملحوظاً لذكر أسماء الطوائف في بيانات اللقاءات والوفود، وهو ما يثير تساؤلات حول أثر هذه الصياغات على النسيج الوطني، وضرورة العودة إلى خطاب يضع الانتماء السوري فوق كل انتماء فرعي.
ففي شهر أيام الماضي، ذكرت صفحة رئاسة مجلس الوزراء في سوريا خبراً عن استقبال وفد رسمي من “الطائفة الشيعية”، لتنشر صفحة محافظة اللاذقية قبل أيام خبراً عن استقبال العميد “عبد العزيز هلال الأحمد”، قائد الأمن الداخلي في المحافظة، وفداً من أبناء “الطائفة المرشدية”، وهي ليست المرة الأولى فسبق أن ذكرت صفحة المحافظة اسم الطوائف في بياناتها منذ كانون الثاني الفائت.
وبحسب رصد قام به سناك سوري على صفحات محافظات، اللاذقية، طرطوس، دمشق، ريف دمشق، حماة، حمص، السويداء، كان من الواضح تكرار أسماء الطوائف في إطار فعاليات متنوعة، مثل تعزية، استقبال، تهنئة.
عوضاً عن ذكر أسماء الطوائف علانية يمكن استبدالها بعبارات مثل “وفد من وجهاء المحافظة”، وبحال استبدلنا اسم الطائفة بهذه العبارة لن يتغير المعنى أبداً وستؤدي ذات الغرض
ففي اللاذقية ومنذ بداية العام، ورد ذكر أسماء الطوائف بمعدل 7 مرات، وفي طرطوس 5 مرات، وحمص مرة واحدة، ودمشق 7 مرات، وريفها 6 مرات، وحماة مرة واحدة، مقابل 7 مرات في السويداء.
ولم تكن صفحات المحافظات وحدها من ذكرت أسماء الطوائف علانية، وبالتوازي معها بات ذكر اسم طائفة ما على الإعلام الرسمي “قناة الإخبارية”، أمراً عادياً، يقابله ضخ طائفي وخطاب كراهية كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجاه طوائف بعينها، ودون أن تتدخل السلطة للحد منه وتجريمه حتى الآن، رغم المخاطر الكبيرة له.
السوريون لم يعتادوا مثل هذا الخطاب الرسمي، وبالنسبة لكثر فإن ذكر الانتماء الطائفي من جهة رسمية، يفتح باب التأويل، ويبدو وكأن الدولة تخاطب مواطنيها بصفتهم المذهبية لا بصفتهم الوطنية.
تكريس الهويات الضيقة على حساب الهوية الجامعة
عموماً هذا النمط من الصياغة سواء في الخطاب الرسمي أو عبر وسائل الإعلام الرسمية، لا يمكن النظر إليه باعتباره مجرد تفصيل لغوي عابر، فترسيخ الهوية الوطنية يقتضي بالضرورة الابتعاد عن أي تصنيفات دينية أو مذهبية في البيانات الصادرة عن مؤسسات الدولة، والتركيز على الصفات الجامعة التي تساوي بين جميع المواطنين.
مدربة المواطنة صباح حلاق: الخطاب الرسمي يجب أن يتبنى الحياد والمواطنة، أن يكون خطاباً وطنياً ومواطنياً.
الخطاب الطائفي مرفوض
الناشطة النسوية ومدربة المواطنة “صباح حلاق”، قالت لـ”سناك سوري”، إن استخدام اسم الطوائف بتلك الطريقة في البيانات الرسمية، ليس خطاب مواطنة، وأضافت ان الخطاب المستخدم يجب أن يكون وطني بحت، ولا يسمي المكونات السوري، وأكدت أن الخطاب كلما كان جامعاً كلما كان مواطنياً أكثر.
“حلاق” قالت إن الإعلام الرسمي يمثل السلطة ويعكس رؤيتها لبقية المكونات السورية، سواء كانت قومية أو طائفية أو مناطقية، وأضافت أنه كان من المفترض أن تضم المرحلة الانتقالية حوار وطني حقيقي، يناقش جذور الأزمات في سوريا والتي أدت للنزاع، ومن بينها الطائفية والأخيرة كانت مع الجنس والسياسة الثالوث المحرم طيلة عقود حكم النظام السابق.
واعتبرت أن سبب الاحتقان الطائفي الموجود حالياً في سوريا، هو أن السوريين لم يتعودوا أن يتحدثوا أو يتعرفوا على بعضهم البعض ولا يعلم معظمهم عن الأديان والطوائف الأخرى، وبالتالي عدم وجود هذه المعرفة أدت لاحتقان طائفي كبير.
وأضافت أنه من المتعارف عليه أنه كلما ضعفت الدولة تقوى الهويات الأولية، مثل الهوية الطائفية والقومية، وهذا ما حدث بالضبط بعد مجازر الساحل، ويعاد اليوم في السويداء.
“حلاق”، أكدت أن الخطاب الطائفي سواء من الإعلام الرسمي أو المحسوبين على السلطة الحالية لا يبني سلام كما لا يؤسس لسلم أهلي أو لمرحلة انتقالية تنتقل بسوريا من دولة الاستبداد إلى دولة الديمقراطية والمواطنة، مشيرة أنه كلما تعزز خطاب الطائفية والكراهية وتصنيف الناس على أساس هوياتها الأولية، كلما زادت الشروخ أكثر ووصفت الأمر بالمرعب لمستقبل سوريا والواقع الحالي.
الخطاب الرسمي يجب أن يتبنى الحياد والمواطنة، أن يكون خطابا وطنياً ومواطنياً، وفق “حلاق”، كما يجب أن يجرم التمييز الطائفي والعرقي والجنسي، وأن يكون هناك مساءلة لأي خطاب يعزز الكراهية ويزيد الشرخ الطائفي، مضيفة: «يفترض أن يكون حوار مواطنة موجه لكل المواطنين والمواطنات هذا ما يبني سوريا».
لا يمكن القول إن الخطابات الرسمية طائفية بالكامل، لكن مجرد مرور اسم الطوائف ولو لمرة واحدة في خطاب تعامل الدولة مع مواطنيها سينعكس سلباً على الهوية الوطنية. وتفاديه يبدأ من خطاب جامع، يتعامل مع الناس على أساس مواطنتهم لا انتماءاتهم، ويحافظ على مسافة واحدة من الجميع، ليكون بالفعل مظلة تحمي المجتمع وتعيد ترميم نسيجه.