مشاهد متوازية في حلب .. احتفالات حكومية وجرائم خارج الاهتمام الرسمي
سلاح منفلت وجرائم قتل .. والحكومة تحتفل بإنجازاتها

تعيش مدينة “حلب” ما يشبه حياتين متوازيتين في المكان ذاته تجعل سكّانها في حالة من الفصام بين واقعٍ يومي لحياتهم وآخر خيالي تجري محاولات إقناعهم به.
سناك سوري _ زياد محسن
المدينة التي عاشت واحدة من أسوأ فصول الحرب وأطولها، وكانت واحدة من أكثر المدن السورية دفعاً لثمن الصراع من حيث حجم الدمار الذي طالها والقصف الذي استهدفها من جميع الأطراف.
مدينة تدمّرت أحياؤها وهجّر شبابها وانهار اقتصادها، حاولت أن تعيش الأمل حين كانت فاتحة تحرير البلاد من النظام، وكانت ضحية آخر الطلعات الجوية لطائرات النظام حين قصف أكثر من موقع فيها مستهدفاً المدنيين للمرة الأخيرة قبل هروبه.
بعد سقوط النظام، كان التغيّر الأبرز الذي طرأ على الحياة في “حلب” هو التخلص من القيود التي فرضها النظام البائد على حرية العمل والتجارة ونقل البضائع، وحتى تداول العملات الأجنبية، فاندفع الحلبيون بقوة ليستثمروا لحظات الأمل وانتعاش الاقتصاد، ولم ينتظروا من “الدولة المركزية” لا خططاً خمسية ولا عشرية لإعادة إعمار مدينتهم أو الاهتمام بشأنها.
مدينة غير آمنة
لكن الاندفاع نحو النشاط الاقتصادي سيصطدم بعثرة كبرى تتمثّل بغياب الأمن، فمنذ الأيام الأولى لتحرير المدينة انتشرت بشكل واسع عمليات السطو المسلح والخطف، ثم تراجعت هذه الحالات بعد أن استقرت الأمور للسلطات الجديدة وتم نشر قوات الأمن العام في المدينة ولو بأعداد غير متكافئة مع حجم “حلب”.
إلا أن الصورة تغيّرت، فمقابل تراجع السرقات بدأت موجة الاغتيالات وانتشار السلاح العشوائي، وبدأت تظهر بيانات من مجموعات مجهولة تنسب نفسها للثورة وتتوعد باغتيال فلول النظام، لتنطلق موجة واسعة من جرائم القتل خارج نطاق القانون بما في ذلك جرائم الثأر الشخصية وإسناد كل جريمة إلى اتهام الضحية بأنه من فلول النظام، ومحاسبته بإطلاق النار عليه في الشارع بدلاً من الاعتماد على الدولة لممارسة مهمة تطبيق القانون في محاسبته عبر القضاء.
المفارقة في “حلب” أن الشوارع تضجّ بالحياة ومن يراقب المشهد يكاد يجزم أنها آمنة لأبعد حدّ، لكنه سيغير رأيه حين ستظهر دراجة نارية يقودها ملثمون وتطلق النار على شخص حتى وسط الزحام ويهرب الفاعلون دون أن يصل إليهم أحد، ليتأكد المراقب أنها مدينة غير آمنة.
الواقع الموازي .. الصورة الرسمية
هناك حياة أخرى تحاول الحكومة تسويق صورتها عن “حلب”، حياة مليئة بإنجازات الحكومة الجديدة وفرح الأهالي بهذه الإنجازات وفعاليات الاحتفال بما وهبته الحكومة لـ”حلب”.
ولعل آخر تلك المظاهر كان في فعالية “لعيونك يا حلب” التي لم تكلّف “محافظة حلب” نفسها حتى لشرح أسبابها، فكان هناك احتفال دون أن يعرف الناس لماذا يحتفلون، فقال البعض أنه فرحاً بانتهاء أعمال صيانة وتأهيل ساحة “سعد الله الجابري” حيث أقيمت الفعالية، وقال آخرون أنه لتكريم المشاركين في مبادرة “الوفاء لحلب”، لكن الأهم أنه احتفال.
هذه الصورة التي حاولت الحكومة تصديرها عن “حلب” بأنها المدينة التي تحتفل وتفرح وتنعم بالاستقرار، لم تكن دقيقة أبداً وللمصادفة ففي الساعات التي كانت تقام خلالها الاحتفالية كان حي “الفرقان” يشهد مشاجرة بين شخصين بسبب خلاف مروري ليشهر أحدهم السلاح على الآخر ويهدده بالقتل وسط الزحام وبوجود شرطي مرور لم يكن بوسعه أن يفعل شيئاً أمام المسلّح.
ناهيك عن جريمة قتل شاب في حي “الحمدانية” داخل محل ألعاب “بلاي ستايشن” بسبب انتمائه الطائفي، وهروب الفاعلين الملثمين كما جرت العادة.
مشاهد متوازية من مدينة واحدة في توقيت واحد، لا ترغب الحكومة بنشر الوجه القبيح للانفلات الأمني كي لا تظهر تقصيرها بحق “حلب”، مقابل حرص الإعلام الرسمي على نشر صور الاحتفاليات والإنجازات.
بطبيعة الحال، لا تتوقف أزمات “حلب” على الأمن فقط وإن كان هو الأولوية القصوى والمبدئية للحياة، وتتخطاه إلى مشاكل خدمية تتعلق بالنظافة وفوضى السير وأزمة المياه وانقطاع الكهرباء 18 ساعة مقابل ساعتي وصل، وانقطاعات الانترنت المتكررة ووو..إلخ.
ربما تلخّص “حلب” مشهد مدن سورية أخرى تعيش بوجهين أحدهما رسمي يمتلئ بشكر الحكومة وإنجازاتها والآخر كامنٌ في التفاصيل التي لا تظهر في الإعلام الرسمي لكن المواطن يعيشها يومياً ويعرف جيداً أن الحزن في عينيه أكثر صدقاً من الفرح أمام كاميرات القنوات الرسمية.