السلطة تحاور وفود الطوائف .. هل ارتدت الدولة إلى ما قبل الدولة؟
التعامل مع المواطنين كطوائف يناقض مبدأ المواطنة .. ويقصي القوى السياسية عن المشهد

أجرى معاون الأمين العام لرئاسة الجمهورية “علي كده” أمس اجتماعاً مع وفد من “الطائفة المرشدية” لتعزيز التواصل الوطني ومناقشة التحديات التي تواجه أبناء الطائفة وفق ما أعلنت الأمانة العامة للرئاسة.
سناك سوري _ دمشق
واستهل “كده” اللقاء للإشارة إلى أهمية استمرار التواصل مع جميع “الطوائف” والمكونات الوطنية وبحث الإشكالات التي تؤثر على الحالة العامة لسياسة الدولة.
هذا اللقاء لم يكن الأول من نوعه للسلطات السورية مع وفود تمثّل “طوائفاً”، الأمر الذي يتناقض مع حديث السلطة نفسها عن مبدأ المواطنة وعدم التمييز بين الأشخاص بناءً على انتماءاتهم الدينية، وهو المبدأ الذي ذكرته المادة 10 من الإعلان الدستوري والتي تنص على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات من دون تمييز بينهم في العرق أو الجنس أو الدين أو النسب.
وفي آذار الماضي، اجتمع الرئيس السوري “أحمد الشرع” بوفد من الطائفة الشيعية في “سوريا”، وبينما لم يصدر بيان رسمي عن مضمون الاجتماع فإن التصريحات التي خرجت من الحاضرين لفتت إلى أن “الشرع” أكّد على أهمية النظر لجميع السوريين من مبدأ المواطنة الكاملة والقانون.
التعامل مع المواطنين كطوائف
لن يقف الأمر عند حدّ الاجتماعات فحسب، إذ بدا أن التعامل مع المواطنين كطوائف قد سبق ذلك، وكان وجهه الأعنف في مجازر “الساحل السوري” التي ارتكبت على أساس طائفي بعد تحميل طائفة كاملة مسؤولية ارتكابات النظام البائد وفلوله.
صحيح أن السلطة السورية لم تعلن هذا الاتهام بشكل صريح، لكنها أيضاً لم تقف بوجهه بما يكفي لحماية المدنيين من سكان الساحل من الهجوم العنيف الذي تعرضوا له في آذار ودفعوا ثمنه ضحايا ومصابين.
وسيتكرر السيناريو مع اندلاع أحداث “جرمانا” و”أشرفية صحنايا” حين خرجت وزارة الصحة بإعلان غريب قالت فيه أن المشافي العامة تستقبل المصابين “الدروز” وتعالجهم، ما أثار موجة من الجدل حول تصنيف المواطنين بحسب طوائفهم واعتبار معالجتهم على الرغم من انتمائهم الطائفي إنجازاً يحسب للوزارة، مع تجاهل أن مسألة معالجة الجريح شأن إنساني بحت بغض النظر عن هوية المصاب وطائفته وعرقه.
في الأثناء، بدأ يتكرّس دور لرجال الدين والطوائف في الحديث باسم “أبناء الطائفة” واعتبارهم الجهة الموكلة بالتخاطب مع السلطة، وكأن الأمر بين فريقين، الدولة من جهة والطوائف من جهة، دون اعتبار إلى أن “الدولة” مسؤولة عن جميع مواطنيها بدون استثناء أو تمييز ويفترض التعامل معهم على قدم المساواة دون إعلاء من شأن طائفة على حساب أخرى وأو التقليل من شأن مذهب على حساب آخر.
من جانب آخر، وبينما تجري الاجتماعات مع ممثلي الطوائف ووفودهم ورؤسائهم الروحيين، ويلتقي بهم مسؤولو السلطة لبحث شؤون “أبناء الطائفة”، يغيب عن المشهد أي تعامل مماثل من قبل السلطة مع القوى السياسية المحلية، بل إن ترك أمر تشكيل الأحزاب وحرية عملها غامضاً دون سماح أو منع، يجعل من مسألة إطلاق الحياة السياسية موضع شك، لتبقى القوى السياسية دون فعالية تمكّنها من بناء شعبية في الشارع تخوّلها من محاورة السلطة والحديث باسم جمهورها بدل إبقاء الحديث عند حدود رجال الطوائف.