الرئيسيةرأي وتحليل

لماذا أحبّ سوريون “كنتنا بيربوك”؟

هل تحل "كنتنا" بيربوك مكان "أمنا" ميركل في ذاكرة السوريين؟

في سوريا إذا أراد المرء المزاح بشأن القرب العائلي، فهو يستخدم كلمات تعكس العلاقات المعقدة بين الأفراد. على هذا يطلق السوريون اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة المعارضون منهم للنظام السابق، على وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك لقب “كنتنا”.

سناك سوري-شاهر جوهر

كلمة “كنتنا” تعني زوجة ابننا أو زوجة الأخ، لكنها تأخذ أحيانا طابعاً ساخراً عندما يشار إلى شخص غريب يُظهر اهتماماً مبالغ به بشؤون العائلة.

في حالة بيربوك، جاء هذا الوصف بسبب دعمها الواضح لحقوق اللاجئين السوريين، ووقوفها ضد قرارات الترحيل القسرية، وكذلك معارضتها لعودة العلاقات مع النظام السوري سابقاً، ما جعل كثير من السوريين يرونها وكأنها قريبة منهم في الموقف السياسي.

فمنذ أن أصبحت بيربوك وزيرة للخارجية عام 2021، تبنّت موقفاً حاداً ضد نظام بشار الاسد الديكتاتوري، مؤكدة أن ألمانيا لن تطبّع العلاقات مع الأسد، ولن تتهاون في ملف حقوق الإنسان، ولن تسمح بعودة قسرية للاجئين السوريين.

في حالة بيربوك، جاء هذا الوصف بسبب دعمها الواضح لحقوق اللاجئين السوريين، ووقوفها ضد قرارات الترحيل القسرية

والأمر لا يتعلق فقط بمواقفها السياسية، بل بالطريقة التي تبنّت بها القضية السورية “وكأنها قضية شخصية”، كما علّق أحدهم عبر صفحته في فيسبوك. فتصريحاتها بشأن الأسد كانت وكأنها نابعة من ناشط حقوقي أكثر منها وزيرة خارجية لدولة أوروبية كبرى. فهي لم تكتفِ بالرفض الدبلوماسي، بل هاجمت كل محاولات إعادة تأهيل النظام السوري السابق.

وحين بدأ بعض الساسة الأوروبيين في السنوات الأخيرة من سقوطه يتحدثون عن إعادة العلاقات مع دمشق، كانت بيربوك أول من أطلق رفضها لذلك، قائلة إن الأسد لم يتغير، بل لا يزال كما كان عام 2011، حينما خرج السوريون يطالبون بالحرية وقابلهم بالرصاص.

في المقابل، كانت زياراتها للحكومة الجديدة في دمشق، محط أنظار السوريين في ألمانيا، ففي كل زيارة لها إلى سوريا أو إطلاقها تصريحات تخص السوريين، كانت المعرفات الشخصية للسوريين قد امتلأت بصورها، إذ بات السوريون في ألمانيا يتعاملون مع بيربوك وكأنها فرد من العائلة.

ومنذ أن انتشر لقب “كنتنا” على وسائل التواصل الاجتماعي، أخذوا يتداولونه كأنه أمر مسلم به: “هل سمعت ماذا قالت كنتنا اليوم؟”، “كنتنا بالشام اليوم”، وكأن بيربوك تحولت إلى شخصية محلية تتصدر النقاشات اليومية في المنازل والمقاهي.

صحيح أن البعض يستخدم اللقب بسخرية محببة، لكن آخرون يرونه تعبيراً عن امتنان لسيدة تبنّت مواقف أكثر إنسانية من بعض الزعماء العرب.

وكأن بيربوك تحولت إلى شخصية محلية تتصدر النقاشات اليومية في المنازل والمقاهي.

هل تحل “كنتنا” بيربوك مكان “أمنا” ميركل في ذاكرة السوريين؟

قبل بيربوك بسنوات، كان السوريون قد منحوا أنجيلا ميركل لقباّ عائلياً أيضاً، لكنه كان أكثر احتراماً ووقاراً وهو “الأم ميركل”. كانت ميركل المستشارة الألمانية السابقة قد فتحت حدود بلادها في عام 2015 أمام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الفارين من الحرب، في قرار جريء غيّر مشهد اللجوء في أوروبا. ميركل لم تكن تتحدث كثيراً عن الأسد أو العقوبات، لكنها فعلت ما لم يفعله أي زعيم أوروبي آخر، فقدّمت للسوريين ملاذاً آمناً.

ما فعلته ميركل كان قراراً جريئاً محفوفاً بالمخاطر، أكسبها العداء من الأوروبيين لكنه منحها مكانة خاصة في قلوب السوريين. وعلى عكس بيربوك، التي تُعرف بمواقفها السياسية الحادة، كانت ميركل أكثر هدوءاً وبراغماتية. لكنها في نهاية المطاف اتخذت القرار الذي غيّر حياة مئات الآلاف من السوريين. ولهذا السبب، ظلت تُذكر في حديث السوريين حتى بعد مغادرتها المنصب.

قبل بيربوك بسنوات، كان السوريون قد منحوا أنجيلا ميركل لقباً عائلياً أيضاً، لكنه كان أكثر احتراماً ووقاراً وهو “الأم ميركل”

يرى سوريون في ألمانيا أن المقارنة بين بيربوك وميركل تكشف اختلافاً في الأسلوب والنهج. ميركل كانت “الأم” التي فتحت الباب، وبيربوك هي “الكنة” التي ترفض إغلاقه. لكن في كلتا الحالتين، نجحتا في كسب قلوب الكثير من السوريين، كل واحدة بطريقتها الخاصة.

ليست وحدها في هذا الموقف

بيربوك تمثل حزب الخضر الألماني، الذي يحمل تاريخاً من الدفاع عن قضايا الديمقراطية وحقوق اللاجئين. تاريخياً، كان حزب الخضر من أكثر الأحزاب الألمانية دعماً لقضايا اللاجئين ومعارضة للأنظمة الديكتاتورية.

وتواجه بيربوك انتقادات داخلية في ألمانيا من الأحزاب المحافظة التي تطالب بتقييد اللجوء وتشديد الرقابة على المهاجرين. ورغم هذه التحديات، تواصل بيربوك التأكيد على تمسكها بمواقفها تجاه سوريا، مما يعزز شعبيتها بين اللاجئين السوريين في ألمانيا وأوروبا.

أما اليوم، فلا توجد معلومات مؤكدة حول ما إذا كانت أنالينا بيربوك ستستمر في منصبها كوزيرة للخارجية في الحكومة الجديدة التي يعمل فريدريش ميرتس على تشكيلها وسيعلن عنها قبل 20 أبريل الجاري، وسواء استمرت بيربوك في منصبها أم لا، سيظل لقب “كنتنا” علامة على العلاقة اللطيفة التي نشأت بين لاجئين سوريين ووزيرة خارجية أوروبية.

زر الذهاب إلى الأعلى