في بلد الخير والليالي الملاح.. طفلان يبحثان عن “شئفة خبز” بالقمامة
يستطيع أي منا رؤية المشهد والمضي قدماً.. لكن ماذا لو توقفنا لدقيقة؟!
“تعال تعال لقيت شئفة بئيانة”، نادت الطفلة ذات الشعر الأشقر الأشعث على شقيقها. بينما تهمّ بأخذ بقايا فطيرة من سلة المهملات بالقرب من باعة أحد الفطائر في واحدة من المدن السورية.
سناك سوري-يا سواد ليلنا
لا أريد أن أبدو “الأم تريزا”، وأساساً لستُ كذلك، أنا مجرد سورية بائسة أخرى تبحث عن لقمتها، وبالكاد تجدها بعد كثير من العمل والجهد. لكن المشهد كان أقسى من أن يحتمله قلب الأم في داخلي، تقدمت وطلبت إليهما مشاركتي الطعام على الطاولة. “لا والله يا خالتو يسلمو مابدنا”، قالتها الطفلة على استحياء لكنها وافقت تحت إصراري وجوعها.
في البداية فضلت الطفلة أن تقف مع شقيقها، واحتجت عدة محاولات لإقناعها بالجلوس. هذا الموقف كفيل بتغيير تلك الصورة المقززة من أن أطفال الشوارع “مستغلين ومعهن أكتر منا ولا يوجعك قلبك عليهم”. وما إلى ذلك من العبارات القاسية التي نبرر بها لأنفسنا قساوتنا وقلة حيلتنا.
طلبت إليّ الطفلة أن آخذهما لابنتي التي حدثتهما عنها خلال الجلسة رغبة مني بتبديد أي مخاوف لديهما. آلمني هذا الموقف لدرجة بالكاد حبست دمعتي على هذه الروح الجميلة التي تفكر بالغير رغم ضيق الحاجة.
خلال اللقاء الجميل مع الطفلين، أخبرتني الطفلة التي لم أشأ سؤالها عن اسمها أو اسم شقيقها. أن عمرها عشر سنوات وعمر شقيقها ثمانية، وهما من محافظة أخرى تعيش أحداث الحرب حتى اليوم. والدتهما تعمل في المنازل ووالدهما في الأرض. ولم يذهبا إلى المدرسة أبداً، الطفلة لا تعرف لماذا وشقيقها قال إنه لا يحب المدرسة، ابتسم وسكت الحديث بعد ذلك.
أنهيا طعامهما على عجل، الطفلة كانت تتناول طعامها تحت الطاولة بخجل شديد، وشقيقها بالكاد أنهى فطيرته وهو يرمقني بطرف عينه. لم يتناول كل واحد مهما سوى فطيرة واحدة، وتبقّى اثنتين في الصحن. طلبت إليّ الطفلة أن آخذهما لابنتي التي حدثتهما عنها خلال الجلسة رغبة مني بتبديد أي مخاوف لديهما. آلمني هذا الموقف لدرجة بالكاد حبست دمعتي على هذه الروح الجميلة التي تفكر بالغير رغم ضيق الحاجة.
الأهل أحياناً يمكن أن يكونوا قساة لا يدركون حجم مسؤولية أن تمنحهم الحياة أطفالاً. لكن إن كان بعض الأهل كذلك، لا ينبغي على الحكومة تجاهل الأمر.
للمصادفة أنا أعرف سيدة وزوجها وطفليها من نفس المحافظة، هربوا إلى هنا بعيداً عن الحرب. العائلة التي أعرفها يعمل الزوج بها بائع قهوة على عربة صغيرة، والزوجة تعمل في المنازل، أما الولدين ففي مدارسهما لا يبخل عليهما والداهما ولا بأية فرصة للتعلّم وتعويض الفاقد التعليمي. فالأم تعمل لأكثر من 10 ساعات يومياً لتؤمن مصاريف الدروس الخصوصية. وقد احتفلت هذا الصيف بنجاح ابنتها بالشهادة الثانوية وكانت دموع فرحها كافية لتبديد أي تعب كما أخبرتني.
ما أود قوله، أن الأهل أحياناً يمكن أن يكونوا قساة لا يدركون حجم مسؤولية أن تمنحهم الحياة أطفالاً. لكن إن كان بعض الأهل كذلك، لا ينبغي على الحكومة تجاهل الأمر، يجب أن يكون هناك محاسبة حقيقية وأماكن خاصة بأولئك الأطفال الذين لا يمتلك أهلهم ما يكفي من المسؤولية لرعايتهم وضمان مستقبل لهم.
الأمر أكبر من “شئفة خبزة في سلة قمامة”، إنه الجيل القادم وحق الطفولة في الحصول على “قطعة خبز” نظيفة دون إحسانٍ من أم عابرة شعرت ببعض الشفقة تجاههم!