آلاف الأطفال السوريين في السعودية مُبعدون من المدارس: لا إقامة لا تعليم
سوريون في السعودية مخيّرون بين تشتيت شمل عائلاتهم أو حرمان أبنائهم التعليم!
اضطرت “سلام” 28 عاماً لترك زوجها في السعودية والعودة إلى “سوريا” لمتابعة تعليم ابنتها. والتي تمنع وزارة التعليم السعودية دخولها إلى المدرسة الحكومية منذ العام 2018 لأنها تحمل تأشيرة زيارة فقط.
سناك سوري-سوسن الأمير
قرار منع السوريين من دخول المدارس السعودية إذا لم يكن لديهم إقامة يضع السوريين في الدولة الشقيقة أمام واقع لا يُحسدون عليه وفيه خياران إما أن يسجلوا أبناءهم في مدارس خاصة ويصرفون كل مدخراتهم عليهم. أو أن يتشتت شمل العائلة ويعود الأطفال وأحد الأبوين إلى سويا لتعليم الأبناء في مدارس سوريا المجانية. وهناك عائلات أرسلت أبناءها فقط للدراسة وتابعت عملها هناك نظراً لحاجتها وظروفها المادية الصعبة. حيث يتقاضى السوريون ممن ليس لديهم إقامات عمل رواتب قليلة جداً على اعتبار أنهم دخلوا السعودية بفيزة زيارة وقرروا البقاء فيها.
لكن آلاف العائلات السورية لا يمكنها العودة إلى سوريا كحل لهذه المشكلة فمعظمهم ينحدرون من محافظات متوترة أمنياً كمحافظة درعا التي تشهد اغتيالات كل يوم. وبعضهم لديهم مشكلات أمنية مع السلطات السورية وهناك من تهدّم منزله وتفتقد منقطته للخدمات.
سلام قررت مغادرة السعودية لتعليم ابنتها
تقول “سلام” التي تنحدر من محافظة درعا، إنها لم تمتلك خياراً سوى العودة مع ابنتها. فدخل زوجها الذي يعمل بمجال الحلويات ضعيف ومن المستحيل أن يغطي تكاليف المدرسة الخاصة التي لا تقل عن 8 آلاف ريال سعودي وتصل إلى 18 ألف.
تصف الأم الشابة الصعوبات التي تواجهها حالياً بأنها أشبه بالموت البطيء. والمسؤولية كبيرة بظل غياب الزوج الذي لم ترَه منذ 5 سنوات. لعجزه عن دفع رسوم تجديد الإقامة، فلا هو يستطيع العودة إلى سوريا ولا هي تستطيع زيارته.
وبحسب شهادات عمال سوريين مقيمين في السعودية، فإن متوسط أجور معظمهم الـ4000 ريال سعودي والحد الأدنى 2000 ريال يدفعون منها أجور منزل وفواتير ومتطلبات الحياة.
ويتم تطبيق القرار بشكل متفاوت، حيث يتم التشديد به في المدن الكبيرة مثل الرياض وجدة. ويكون أقل في المناطق الريفية البعيدة مثل الطائف. وهذا ما يفسر وجود بعض الأطفال السوريين القادمين بفيزا زيارة عائلية في المدارس الحكومية السعودية.
تتراوح رسوم المدارس الخاصة السعودية بين 8 آلاف إلى 18 ألف ريال سعودي، وهو مبلغ ضخم قياساً بدخل العمال السوريين فيها الذي يبلغ متوسطه نحو 4000 ريال
مدارس افتراضية سورية للطلاب في السعودية
لا تقلّ معاناة “أم وطن” 31 عاماً لديها لطفلين 8 و6 سنوات، عن معاناة مواطنتها “سلام”. فهي لم تستطع تسجيل أطفالها في المدارس الحكومية السعودية ولا تستطيع العودة إلى سوريا. حيث وجدت حلاً بتسجيلهما في المدارس السورية الافتراضية والتي لا تعتبر آمنة.
وبدأت المدارس الافتراضية السورية بطريقة الأونلاين من المنزل، قبل أن يطالب الأهل بوجود مراكز لها، نتيجة ملل أطفالهم وعدم تفاعلهم مع المدرسة الافتراضية. إلا أن مراكز المدارس الافتراضية السورية ليست مثل المدارس العادية، فهي عبارة عن غرف صغيرة مثل المنازل، أو تتواجد في مراكز تحفيظ القرآن بحال لم تكن مرخصة.
توضح الأم الشابة وتقول لـ”سناك سوري”، إن أبنية المدارس السورية الافتراضية في السعودية، غالباً ما تتواجد في مراكز تحفيظ القرآن. أو بالمدارس الخاصة، أو تتواجد دون رخصة نظامية ما يزيد المعاناة. وتروي كيف أنه في وقت سابق من العام الماضي داهمت الشرطة السعودية المدرسة وتم القبض على كافة العاملين فيها. وبقي الأطفال في الشارع، ما دفع أحد الجيران للاتصال بالأهالي وإبلاغهم بضرورة الحضور لأخذ أطفالهم من الشارع.
ومن الصعوبات التي تواجه الأهالي أيضاً، الأعداد الكبيرة في الصف الواحد بالمدرسة الافتراضية السورية كذلك غياب النظافة، وعامل الأمان. ففي الصف التاسع مثلاً يضطرون للعودة وتقديم الامتحان في سوريا، أو الانتقال إلى إحدى المدارس الخاصة التي تتراوح الرسوم فيها بين 8000 إلى 18 ألف ريال سعودي للولد الواحد.
تتمنى أم وطن أن يعود قبول السوريين في المدارس الحكومية السعودية. لتخفيف العبء عن الأهالي ومنع تشتتهم كما حدث مع الكثير من العوائل السورية.
سوريون يغادرون السعودية بسبب منع أطفالهم من التعليم
اتخذت عائلة “ريما” 40 عاماً قرار العودة إلى سوريا، رغم قلة خيارات العمل والظروف المادية السيئة. فبالنسبة للعائلة كان الحفاظ على تماسكها معاً وتعليم الأبناء أفضل من البقاء في السعودية.
كان زوج “ريما” يعمل طباخاً في أحد الفنادق بالرياض، حيث التحقت به بتأشيرة زيادة عائلية بعد اندلاع الحرب. واستطاعت تسجيل طفلتيها عام 2014 في المدارس الحكومية السعودية. وبحلول العام 2018 خرجتا منها نتيجة القرار السعودي.
تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد الأطفال السوريين المحرومين من التعليم في السعودية بالآلاف وذلك نتيجة قرار السلطات السعودية المتضمن “لا إقامة لا تعليم”
عاشت “ريما” وعائلتها حالة من التخبط وصعوبة اتخاذ قرار مناسب، في النهاية بقيت العائلة عاماً كاملاً دون أن تحظى الطفلتان بالدراسة، ورافقهم الشعور بالذنب طيلة تلك المدة، قبل أن يحسموا أمرهم ويقرروا العودة معاً إلى سوريا.
كان المنزل الكائن بمحافظة درعا سيئاً جداً وآثار الحرب في كل مكان، لكن العائلة تجاوزت ذلك وتم إصلاح المنزل، والعثور على عمل يكفي بالحد الأدنى احتياجات الحياة، فبالنسبة لهم كان من الأفضل التواجد معاً لو على حساب الحياة الجيدة مادياً.
حقوق الأطفال بالتعليم تكفلها القوانين الدولية
تقول السلطات السعودية في عام 2016 إنها تستضيف 2.5 مليون لاجئ سوري وذلك خلال مشاركتها في قمة اللاجئين والمهاجرين. وأنها منحتهم “حرية العمل” والتعليم في المدارس. لكنها بعد عامين من القمة قررت منع السوريين المخالفين من الدراسة في المدارس الحكومية السعودية.
وهذا التراجع لا ينسجم مع آمال السوريين بأشقائهم السعوديين. ويخالف اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تقول إن لكل طفل الحق بالتعليم. وأن يكون التعليم الأساسي مجانياً. وتضيف أنه ينبغي تشجيع الأطفال على الذهاب إلى المدرسة للحصول على أعلى مستوى تعليمي ممكن. وتطالب الاتفاقية باحترام حقوق الأطفال، وعدم ممارسة أي نوع من العنف تجاههم.
ويأمل السوريون من السلطات السعودية إعادة النظر بقراراتها هذا وعدم معاقبة الأطفال على خيارات آبائهم. فما هو ذنب طفل صغير أن يُحرم من التعليم لان والداه اختارا أن يكونوا ضيوفاً على أراضي الأشقاء بينما تحل الأزمة في بلادهم أو تتغير ظروفها!.
كما يطالبون السفارة السورية في السعودية بالعمل على حل هذا الملف ويأملون من السفير “أيمن سوسان” لعب دور مع السلطات السعودية لإنقاذ مستقبل آلاف الطلاب السوريين.