إصلاح الحزب الحاكم وإصلاح الدولة – بلال سليطين
ما قيمة عافية الحزب الحاكم إذا لم يكن لديك حياة سياسية؟
تكاد تكون كلمة “الديمقراطية” الأكثر تداولاً في أوساط الحكومة حالياً بالتزامن مع تغييرات هيكلية في الحزب الحاكم يتم تقديمها من قبل البعض كخطوات إصلاحية في الدولة.
سناك سوري – بلال سليطين
إن التغييرات الداخلية والهيكلية للأحزاب السياسية هي شأن داخلي محض، وإن كانت عافية البنى الحزبية المُشكِّلة للحياة السياسية في أي بلاد تساهم في عافية الحياة السياسية بالعموم. لكن تبقى الأنظمة الداخلية للأحزاب وطرق اختيار قياداتها وقواعدها شأن داخلي وترتبط بالحزب وعلاقته بقاعدته الشعبية بشكل أساسي.
هل يسعى الحزب الحاكم لإرضاء قواعده الشعبية وناخبيه؟
وعادة تسعى الأحزاب في السياق الطبيعي لإرضاء قواعدها الشعبية فتعمل على تطبيق أفضل النُظم الداخلية. وتتحلى بالشفافية والشجاعة وتختار أفضل الكوادر وأكثرها كفاءة.
كما أنها توطد علاقتها مع ناخبيها وحتى أنها تسعى لاستمالة الناخبين من الأحزاب الأخرى أو المستقلين. وذلك يحدث تماماً في البيئة الصحية السليمة التي تطلب بالضرورة وجود حياة سياسية ومنافسة.
لكن عندما تكون الساحة متفردة لحزب واحد أياً كانت قوته وجماهيريته ومشروعه وأفكاره فإنه يغرق بالسلطة ويفتقد للمنافسة فيغيب عنه الحافز ويفقد شغف المنافسة. فهو قادر على اكتساب كل شيء بسهولة فلماذا عليه أن يبذل جهداً؟. أو من ماذا سيخشى؟ فلا يوجد منافس له يسائله أو ينافسه على السلطة وإذا وجد بسهولة يمكن القضاء عليه أو تقييده. وهذا ينعكس سلباً عليه وعلى مؤسسات الدولة وبُنى المجتمع لدرجة يصعب إصلاحها وتخلق حالة من العطالة المجتمعية والانكفاء عن المشاركة والإسهام بالشأن العام.
وعلى سبيل المثال نسمع كثيراً تعليقات من نوع “مافي غير هالمرشحين؟”، “هي الأسماء المرشحة مو كويسة”، “ليش ما بترشحوا ناس كويسين”…إلخ. وهي بالمحصلة تعليقات تعبر عن واقع يقول إن النخب والكفاءات غالباً منكفئة ويائسة من قدرتها على التغيير وبالتالي لا تشارك. وهذا لا يعني أنه لا يوجد نخب وكفاءات وشخصيات موثوقة عند الجمهور مشاركون ولكن يعني أنهم قلة، وربما يكونوا قطعة نادرة.
الإصلاح الحزبي سنوي وليس كل كذا عقد من الزمن
بناءً على هذا الواقع فإن الأحزاب تحتاج إجراء مراجعات دورية مع كل استحقاق انتخابي تشارك فيه أي كل 4 سنوات على أبعد تقدير. وليس كل ثلاثين وأربعين عاماً ويحتاج الإصلاح أن يكون عميقاً وحقيقياً وواضحاً ويمكن قياسه ونتائجه بشكل مباشر وعلى المدى القريب.
على سبيل المثال فإنك تُحدث تغييرات بعد تراجع أصواتك في الانتخابات أو عدد مقاعدك لكي تفوز في الانتخابات القادمة. وهذا كما قلنا سابقاً يتطلب وجود حياة سياسية في البلاد ومنافسة حزبية. ولكن اذا غابت الحياة السياسية فإن الإصلاحات أياً كان نوعها لا يمكن قياس مدى نجاحها طالما الفوز بالانتخابات مضمون وتجري الانتخابات كما تريد كحزب.
إصلاح الدولة وإصلاح الحزب الحاكم
اذا ما نظرنا للمتغيرات التي تحدث في سوريا هذه الأيام وبغض النظر عن إجابة كل منا لسؤال هل هي تغييرات “ديمقراطية” أم “تغييرات غير ديمقراطية”. إلا أنها تبقى في المحصلة “إصلاحات حزبية” وهي داخلية محضة.
أي أنه لا يمكن القول إنها إصلاحات في الدولة. وحتى نقول أن البلاد تنتهج نهجاً ديمقراطياً جديداً يجب أن يكون هناك جملة إصلاحات في الدولة وليس في الحزب.
طبعاً هناك من يقول إنها خطوة أولى بإصلاح الحزب تتبعها خطوة ثانية بإصلاحات في الدولة. وبالحقيقة هذه المقولة تعكس عقلية قديمة ماقبل إصلاحية مفادها أن الحزب مازال قائداً للدولة والمجتمع. وبالتالي فهم يعتقدون أن إصلاح الدولة يأتي من إصلاح الحزب.
وهناك رأي آخر يقول إن إصلاحات الحزب حالياً تأتي لتنسجم مع الإصلاحات التي أقرت في الدولة عام 2011 و2012. ويتجاهل هؤلاء أن هذه الإصلاحات والدستور الجديد لم يتمكنا من وضع حد للأزمة في البلاد. ونحن اليوم في العام الثالث عشر للأزمة وقد مضى على هذه الإصلاحات سنوات طويلة. تجعل من المحتم والضروري إقرار إصلاحات وتغييرات جديدة تتناسب مع التغييرات في البلاد.
إصلاح الدولة وحيادها
انطلاقاً من هذا فإن الخطوة الأولى والجوهرية هي الإصلاح في بنية الدولة بما يوفر حياة سياسية وصحية سليمة ويخلق منافسة بين الأحزاب ويضمن حياد المؤسسات الحكومية وبُنى الدولة. ومن ثم تأتي إصلاحات الأحزاب الداخلية لتنسجم مع شكل الدولة الجديد وبيئة الحياة السياسية الوليدة وليس العكس.
وعلى سبيل المثال فإن الإصلاحات بالدولة وإطلاق الحياة السياسية يعنيان بالضرورة مثلاً وليس حصراً أن لجان الاقتراع وأمناء الصناديق لانتخابات مجلس الشعب القادمة يجب أن يكونوا مستقلين. ويمنع منعاً باتاً أن يكونوا أمناء فرق وأعضاء في الحزب الحاكم كما جرت العادة منذ عقود طويلة. وبالتالي فإن هذا التغيير الإصلاحي في بنية الدولة يجب أن يدفع الحزب لتغييرات في طريقة خوضه للانتخابات وفي شكل قوائمه وأسماء مرشحيه وحتى آلية اختيارهم. لكن استمرار الوضع على ماهو عليه فإن أي تغيير داخي فهو مضمون النجاح ولا يوجد أمامه اختبار لقياس فاعليته.
وبالتالي فإن ما نشهده اليوم في الحزب الحاكم ليس إلا شأناً داخلياً يمكن أن يكون إصلاحاً أو ديمقراطية ويمكن ألا يكون. لكنه بالتأكيد ليس إصلاحاً في بنية الدولة ولا إطلاقاً لحياة سياسية ولا ديمقراطية ولا خلقاً لمنافسة ولا تحفيزاً للشباب والمجتمعات على الانخراط بالشأن العام. فهذه أمور تحتاج إصلاحات في الدولة وليس في الحزب وهي وحدها من يعول عليها.