شيخوخة مؤسسات الدولة السورية.. الشباب يهربون من الوظيفة الحكومية
97% من الشباب يفضلون القطاع الخاص .. والبطالة تهدد الأجيال السورية
يتحول الشباب في المؤسسات الحكومية السورية إلى قطعة نادرة في بيئة تحيطها الكهولة والشيخوخة لناحية أعمار الموظفين في القطاع العام في ظل تهرب الشباب منه.
سناك سوري _ هبة الكل
إذا دخلت اليوم إلى أي مؤسسة حكومية للقطاع العام في دمشق على سبيل المثال مثلاً “النافذة الواحدة، المالية، المصالح العقارية..إلخ”. فإنك بالكاد ستلحظ وجود من هم دون سن الثلاثين من العمر في هذه المؤسسات كموظفين. حتى كمراجعين فإنك قليلاً ما تجدهم يدخلون إلى هذه المؤسسات إلا إذا كانوا معقبي معاملات.
وهذا الشح في شريحة الشباب بالمؤسسات الحكومية يعد واقعاً طارئاً بعد العام 2011 فإذا استعدنا المؤسسات ذاتها في عام 2010. فإننا سنجد فيها عدد من الموظفين في القعد الثالث من العمر وهم يستقبلون المراجعين ويتعاملون معهم. لكن حتى هؤلاء الموظفين الذين كانوا شبان في تلك المرحلة كثيرون منهم غادروا وظائفهم لأسباب معقدة لها علاقة بالأزمة التي تشهدها البلاد ومن بقي منهم فقد أصبح عمره اليوم “بحيطان الأربعين”.
تقول “لجين 28 عاماً” خريجة اقتصاد لـ سناك سوري إن العمل في القطاع العام لا يجذبها لا سيما وأن عملها الحالي يوفر لها متنفساً معيشياً وخبرة لا تقدمها الوظائف الحكومية.
وبحسب استطلاع رأي أجراه سناك سوري شمل عينة عشوائية 39 شاباً وشابة بين “20-30” عاماً فإن 97% منهم يفضّلون العمل في القطاع الخاص.
“بتول” طالبة هندسة معلوماتية تقول إنها تفضل العمل بالقطاع الخاص على الحكومي سواء خلال الدراسة أو بعد التخرج. وتعزوا تفضيلها إلى تدني رواتب القطاع العام.
تنسحب الأزمة على قطاع التعليم أيضاً فـ “لين صالح” وهي طالبة صيدلة تطمح أن تصبح أستاذة جامعية ولكن في جامعة خاصة بسبب الرواتب أيضاً. وتقول أن الراتب في الجامعات الخاصة قد يصل إلى 10 ملايين مقابل “ملاميم” في الجامعات الحكومية حسب تعبيرها.
ميزات القطاع العام غير كافية لاستقطاب الشباب
يقر غالبية الشباب الذين استطلعنا رأيهم بوجود ميزات في القطاع لا تتوفر في الخاص ومع ذلك فهي غير كافية لاستقطابهم. إذ اعتبر 76.9% منهم أن الراتب التقاعدي هو الأهم. فيما ميّز 46.2% منهم القطاع العام بالأمان الوظيفي. واختار 15.4% من المشاركين الاستفادة من الدعم على السلع الأساسية كميزة مهمة لموظفي القطاع العام.
“خوري” الوظيفة الحكومية لم تعد ضماناً للاستقرار
يقول الاستشاري التنموي “هاني خوري” لـ سناك سوري إن الوظيفة الحكومية كانت تشكل ضماناً واستقراراً معيشياً واقتصادياً واجتماعياً. أما اليوم ومنذ خمس سنوات لم يعد الراتب مغرياً للشباب، الأمر الذي سبّب نزف القطاع العام لكوادره الشبابية، بمقابل ارتفاع نسبة العاملين ذوي الأعمار الأربعينية إلى السيتينية على حد قوله.
ويضيف أن قضية عمل الشباب/ات حساسة لبناء المجتمع وأساس لانتمائهم ورغبتهم في الاستقرار بالبلاد والإعمار والتنمية. وغيابهم يعني أن الفئات الأخرى ستكون عصية على الاستقالة. وبالتالي زيادة فساد وعدم التزام بالوقت وقوانين العمل وخدمة الموطن بشكل إيجابي.
ويبقى خلق فرص عمل للفئة الشبابية يمثل تحدياً كبيراً لـ”سوريا” بعد عام 2011. لا سيما وأن نسبة الشباب العاطلين عن العمل للفئة العمرية من 20- 24عاماً تجاوزت اﻟ 27%. مقابل نسبة الفئة العمرية التي تليها من 25- 29 عاماً التي بلغت البطالة فيها 15%، وفقا للمكتب المركزي للإحصاء لعام 2021.
وتقدّر نسبة العاملين في القطاع العام الحكومي للفئة العمرية العشرينية بحدود 8% بمقابل ما نسبته 14% للفئة العمرية الأربعينية. بحسب المصدر ذاته.
المهن تستقطب الشباب على حساب الوظائف
معظم المهن اليوم وبفعل الغلاء استقطبت الشباب الصغير للعمل بها كالنجارة والحدادة وميكانيك السيارات. بحسب “خوري” الذي أضاف أنه وبالرغم من ضرورة الخبرة في هذه المهن. إلا أن من يلتحق بها يكون بعمر 15 عاماً ليصبح ماهراً بها بعمر 24 عاما بمقابل شاب متخرج من الجامعة في هذا العمر لا يملك من الخبرة شيئاً.
وتابع أن انخفاض الدخل والقدرة الشرائية والمعاشات في القطاعين العام والخاص. خلق ثقافة كاسحة عند معظم الجيل الشبابي الحالي أن يفكر بالدراسة والعمل خارج وطنه. لأن بلده في وضع اقتصادي صعب، فلا إغراء ولا اندفاع للعمل تجاه القطاعين العام والخاص بحالتهما الراهنة على حد قوله.
قال 64.1% ممن استطلعنا رأيهم أن إعلانات مسابقات التوظيف في المؤسسات الحكومية لا تصلهم.
الشباب ضمانة لحيوية المؤسسات ونموها
وفي وقتٍ تحاول فيه الحكومة السورية وضع خطط إسعافية لمعالجة النزيف الذي أصاب القطاع العام وظيفياً. فإن عدد الاستقالات خلال النصف الأول من عام 2023 على سبيل المثال. بلغ 1800 استقالة في “دمشق” وريفها فقط بحسب صحيفة “تشرين”. ليكون الحل الحكومي الاستعانة بالكفاءات المتقاعدة والإبقاء على الموظفين الذين تجاوزوا سن التقاعد. وهو حل يعكس تماماً قلة اهتمام الشباب بالوظائف الحكومية وعدم قدرتها على استقطابهم.
يقول “خوري” أن الفئة الشبابية ضرورية لقوة ونجاح واستمرارية وتطور وإبداع القطاع العام. وقدرته على المنافسة والاحتكاك بخبرات متنوعة، وهو ضرورة وطنية من أجل التشغيل الإيجابي وإعداد الموارد البشرية للعمل والإنتاج. ولا بد من هيكلة وتطوير الموارد البشرية حسب احتياجات السوق وإعادة تهيئتها وفق احتياجات فترة الإعمار القادمة. كوننا نزفنا الملايين من شبابنا السوري ولتبقى سوريا المقدمة للموارد البشرية لمؤسساتها في القطاعين العام والخاص. على حد تعبيره.
لكن هذا لا يعني التخلي عن الخبرات لأنها مسنّة بحسب “خوري” بل وجودها مهم من أجل سلامة العمل المؤسساتي. لأن هناك فجوات في التشغيل والهياكل التنظيمية كونها تعودت على العمل وتفهمت أساليبه. بالإضافة إلى كونها بحاجة إلى تحفيز وإغراء.
لا شك أن شيخوخة وكهولة القطاع العام لها آثار كارثية لا يمكن تجاوزها بحسب من التقينا بهم إلا بجملة إجراءات. منها الأجر العادل والقابل للإغراء، مع تفعيل ميزات القطاع العام من ناحية النقل والترفيع والسفر والمكافآت. وذلك كي يشعر الموظف بقيمته الاجتماعية. بالإضافة إلى الحصول على تعليم إضافي من خلال المزج في العمل بين القطاعين العام والخاص.