بعد فرض مساهمته بتحمل الأعباء .. المواطن السوري يدفع ثمن السلعة مرتين
هل خالف "التحريك البسيط" لسعر الخبز مواد الدستور؟
ينفرد المواطن السوري بأنه الوحيد بين شعوب العالم الذي يتحمل دفع ثمن معظم السلع مرتين عسى أن يكون ذلك مرضياً للحكومة.
سناك سوري _ زياد محسن
وبينما اعتاد المسؤولون الحكوميون والإعلام الرسمي تكرار الحديث عن مدى الأعباء التي تتكبدها الخزينة العامة للدولة. جراء دعم السلع الأساسية مثل الخبز والمحروقات -إن بقي شيء من دعمها-. فإن بيان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يوم أمس أظهر بوضوح عقلية حكومية تطلب من المواطن أن يدفع الثمن مرتين.
فبعد إصدارها قراراً برفع سعر ربطة الخبز المدعوم من 200 إلى 400 ليرة. ورفع سعر ليتر المازوت المخصص للأفران من 700 إلى 2000 ليرة. ارتأت الوزارة أن تصدر بياناً توضيحياً ساقت فيه المبررات لقرارها.
ولم يأتِ البيان بجديد لناحية المبررات بتكرار العناوين ذاتها من حرب وحصار وعقوبات والظروف الدولية. وارتفاع أسعار القمح وتعقيدات طرق التجارة البحرية والبرية. والوجود العسكري الأمريكي في البلاد. وارتفاع تكاليف ترميم المنشآت والأفران والبنية التحتية الخاصة بإنتاج الخبز.
مجرد تحريك بسيط!
أما الجديد في بيان الوزارة. أو الكشف العلني عن طريقة تفكير الحكومة للمرة الأولى ربما. فجاء في مقدمة التوضيح حيث قالت الوزارة أن السعر الجديد ليس رفعاً للسعر بقدر ما هو مساهمة من المواطن في تحمل جزء بسيط من عبء التكلفة لضمان استدامة تدفق المادة وتوفرها.
ثم عادت الوزارة لتقول أن ما وصفته بـ”التحريك البسيط”. لسعر الخبز – عبر مضاعفة السعر- جعله يعادل 5% فقط من التكلفة التي تبلغ 7000 ليرة مقابل 400 ليرة للبيع. وذلك من منطلق الحرص الحقيقي على عدم حدوث اختناقات ونقص في تأمين حصول المواطن على المادة. مع بقاء تحمّل الدولة ممثّلة بالحكومة للعبء الأكبر من التكلفة على حد تعبير الوزارة.
توحي صيغة التوضيح الوزاري أن التوجه الحالي يهدف إلى تقاسم أعباء التكاليف بين الدولة من جهة والمواطن من جهة أخرى. باعتبار أنهما كيانين منفصلين وأن خزينة الدولة مصدر لضخ الأموال وإنفاقها على المواطن دون الإشارة إلى مصدر تمويلها.
ماذا يقول الدستور؟
تعتمد الخزينة العامة للدولة على مصدرين أساسيين لتكوين إيراداتها. يتمثل الأول في الموارد الطبيعية مثل “النفط، الغاز، المعادن، وحتى المواقع السياحية”. فيما يتكون الثاني من الضرائب والرسوم التي تتم جبايتها.
تقول المادة 14 من الدستور السوري. أن الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب. وواجب المواطنين حمايتها.
ما يعني أن الإيرادات الناجمة عن الثروات الطبيعية هي ملك للشعب أي للمواطن. بينما يدفع المواطن بشكل مباشر لتمويل المصدر الثاني للخزينة عبر الضرائب والرسوم. ما يعني بطبيعة الحال أن كل إيرادات الخزينة تأتي من المواطن وبالتالي فإن القول أن الدولة تتحمل العبء الأكبر من التكلفة يعني أن المواطن هو الذي يتحمّله.
المواطن يدفع الثمن مرتين
وهذا يعني أن المواطن دفع فاتورة التكاليف مسبقاً وهو من موّل الخزينة لتنظيم توزيع الثروة وتلبية احتياجاته. ولا يوجد شخص أو جهة تستطيع الادعاء بأنها مموّلة للخزينة سوى المواطن نفسه. فهو إذن من دفع الـ 7000 ليرة تكلفة الربطة كما قالت الوزارة. ثم عاد ودفع الـ 200 ليرة. قبل أن تقرر “التجارة الداخلية” أن تفرض عليه “المساهمة في تحمّل الأعباء” وتضاعف ثمن الربطة إلى 400 ليرة. وترفع سعر البنزين إلى 10500 ليرة والمازوت إلى 12425 ليرة. الأمر الذي ينطبق على كافة السلع التي تقول الوزارة أنها تقدّمها بأسعار مدعومة.
إن خزينة الدولة ملكية عامة بامتياز ولكل مواطن حق في الاستفادة من نفقاتها. وتقتصر مهمة الحكومة على حسن إدارة هذه الأموال. لا أن تقرّر متى يجب أن “يساهم” المواطن في تحمل الأعباء ودفع الثمن مرة ثانيةً لدى شرائه أي سلعة.
لقد قالت المادة 13 من الدستور. أن هدف السياسة الاقتصادية للدولة تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع والأفراد. عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة. ما يعني أن الإدارة الحكومية التي لا تستطيع تحقيق هذا الهدف عليها الاعتذار عن مهامها لا أن تحمّل المواطن المسؤولية عمّا آلت إليه الأحوال كما فعلت وزارة التجارة الداخلية في توضيحها الذي كان من الأفضل ألّا توضّحه.