أحلام الأبوة والأمومة تقتلها تكاليف علاج العقم وطفل الأنبوب
التبني أحد الخيارات... وتوفير العلاج المدعوم بالمشافي الحكومية أحد المقترحات
رمت “نهى 28 عاماً” على مدار ثلاث سنوات نحو 100 جهاز كشف حمل في سلة النفايات. لتحتفظ بالجهاز رقم 101 الذي أعلن انتهاء عهد الانتظار والعلاج بأعبائهما المادية والنفسية. والاستعداد لسماع كلمة «ماما».
سناك سوري- ناديا سوقيه
تأخر الحمل لدى نهى لأسباب صحية عانتها وزوجها. وخاضا إثرها رحلة علاج استمرت 3 سنوات، خضع خلالها الزوج لعملية جراحية. كما استهلك الزوجان ما يكفي من أدوية ومقويّات، وأنفقا عام 2018 مبلغ 500 ألف ليرة كان يمثّل كامل مدخّراتهما. إلى أن نجحا في بلوغ لحظة البشارة بحمل “نهى”.
علاج تأخر الحمل… بالدولار
بات علاج تأخر الحمل لدى الأزواج حلماً صعب التحقيق لشريحة ذوي الدخل المحدود وتصل تكاليف عملية طفل الأنبوب في بعض المراكز المتخصصة بالإخصاب في “دمشق”. إلى حوالي 14 مليون ليرة سورية. ويشترط أصحاب هذه المراكز أن يكون الدفع بالدولار ويقدر مابين 1500 إلى 2000 دولار أمريكي.
وتتضمن التكاليف إجراء العملية وتوفير الأدوية. على أن التكلفة تزيد وتنقص تبعاً للإجراءات اللازمة واستجابة الجسم.
أما الحقن المجهري فيكلف في بعض المراكز 1500 دولار. على أن يتم الدفع بالليرة السورية، فيما ربطت مراكز أخرى السعر بمعاينة الحالة.
تكلف عملية طفل الأنبوب في دمشق ما بين 1500-2000 دولار أمريكي.
تكاليف رحلة العلاج بارتفاع مستمر
اختارت الثلاثينية نهاد (اسم مستعار) بعد 12 عاماً من الزواج أن تخوض رحلة العلاج بما قد تصل إليه من نجاح وفشل وما تحتاجه من تكاليف.
عانت “نهاد” خلال فترة علاجها من فروق أسعار الأدوية مع كل مراجعة للمركز الذي اختارت العلاج فيه. لا سيما أن الفترة الزمنية بين المراجعة والأخرى لا تتعدى الشهر. ومع كل شهر ينعكس سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية على أسعار الأدوية. لكنها تبرّر إصرارها على الاستمرار بعبارة «محروق قلبنا على ولد».
خطأ طبي يحرم رشا من الأمومة
خسرت “رشا 35 عاماً” حملها الأول الذي انتظرته لثلاث سنوات إثر مضاعفات ارتفاع الضغط وتقصير الطبيبة في متابعتها. الأمر الذي رافقها خلال بقية سنوات زواجها السبع وهي تبحث عن سبل غير مكلفة للعلاج.
تقول “رشا” لـ سناك سوري: «اعتقدَ الأطباء الذين تابعوا حالتي أنني لن أحمل إلا بعد إجراء صورة ظليلة للرحم. وهذا ما دفعني لتكرارها وتحمل تكاليفها وإجراء العديد من التحاليل أنا وزوجي. والانتقال من طبيب لآخر ومن تشخيص لآخر وكل طبيب كان ينسف أدوية من سبقه».
وتوضح السيدة أن هذا التخبّط بين الأطباء كلّفها الكثير مادياً ونفسياً وجسدياً. مشيرة إلى أنها وبسبب ارتفاع التكاليف اضطرت لتأجيل رحلة العلاج. وقالت « ليس لدينا القدرة على دفع الملايين لنحقق حلمنا بالأبوة والأمومة».
أقرأ أيضاً: وفاة امرأة حامل مع جنينها بسبب الإهمال والحصار الأمريكي !
الإنجاب حق شرعي وقانوني
تشير المحامية شروق أبو زيدان لـ سناك سوري « أن الحقوق الإنجابية هي حقوق محمية بالقانون، ومن ناحية شرعية فإن الغرض من الزواج هو استمرار الأسرة والنسل. لذلك من حق جميع الناس أن يكون لديهم أطفال. ولهم حق القرار في ذلك».
يجب أن تؤمّن الدولة العلاج في المشافي العامة ليحصل المواطنون على حقهم في الإنجابالمحامية شروق أبو زيدان
واقترحت “أبو زيدان” حلولاً رأت أنها ممكنة للراغبين بأن يكون لهم أطفال. وذلك عبر التبني أو كفالة الأيتام، حيث قالت أن من حق هؤلاء الأطفال أيضاً أن يعيشوا في ظل عائلة. مشيرة في الوقت ذاته إلى ضرورة أن تؤمن الدولة علاجاً مدعوماً في المستشفيات العامة. ليحصل هؤلاء المواطنين على حقهم في الإنجاب.
أقرأ أيضاً:أيتام الزلزال بين القانون والدين .. عقد إلحاق وفتوى إرضاع الكبير
الأسعار لا يضعها الطبيب
تقول الدكتورة “قمر الديري” الأخصائية في التوليد و أمراض النساء لـ سناك سوري : «إن أسعار العلاج لا يضعها الطبيب وتكلفة العمليات تتبع نظاماً محدداً من مواد لازمة للعملية. ومواد التخدير وغرفة العمليات والأدوية وغيرها من متطلبات العمل الجراحي».
وتضيف الطبيبة: «أعرف حالات توفر في مصاريف الطعام والشراب لتلقي العلاج. كما أن حالات كثيرة تحتاج إلى طفل أنبوب كحلّ لوضعها لكنها لا تستطيع تلبية تكاليف العلاج»
غير أن أسعار المعاينات برأي الطبيبة مهما ارتفعت كثيرة على المريض وقليلة على الطبيب. وترتبط بشكل أو بآخر بخبرة الطبيب وما تحتويه عيادته من أجهزة مكلفة. بينما تعد الأدوية الهرمونية مكلفة مادياً إلى حد كبير.
لماذا يلجأ المرضى للمراكز الخاصة
وتضطر الحالات التي تحتاج إلى إخصاب مساعد أو طفل أنبوب أو غيرها من علاجات تأخر الحمل والإنجاب. للجوء إلى المراكز الخاصة لغياب هذه الخدمات عن المشافي العامة التابعة لوزارة الصحة. واقتصار علاج العقم على مشفى التوليد الجامعي وأمراض النساء بـ”دمشق” والتابع لوزارة التعليم العالي.
وتوقفت شعبة طفل الأنبوب في مستشفى التوليد الجامعي بدمشق عن العمل خلال سنوات الحرب، واستأنفت عملها قبل 4 أشهر من الآن، وأجريت أول تجربة لزراعة طفل أنبوب فيها أواخر العام الماضي.
وفي حديث سابق لرئيس شعبة طفل الأنبوب الدكتور “هيثم عباسي” لموقع جامعة دمشق قال «إن تكلفة عملية طفل الأنبوب في المستشفى مع الأوساط اللازمة لا تزيد عن 30% من التكاليف الخارجية، ما يخفف العبء المادي المترتب على الراغبين بإجراء عملية طفل أنبوب».
يبقى الحالمون بالإنجاب بعد طول انتظار متعلقين بأمل الوصول إلى علاجٍ يمنحهم شعور الأبوة والأمومة. لكن أحلامهم ترتطم بصخرة الصعوبات المادية مع التكاليف الباهظة لهذا النوع من العلاج. وغياب تأمينه مجاناً في المشافي العامة، وبينما نجح التطور العلمي في منح هؤلاء الأشخاص فرصة إنجاب طفل أو طفلة. فإن التدهور المعيشي يقف حائلاً بينهم وبين حلمهم.
اقرأ أيضاً:الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي.. هل المرأة صاحبة قرار على جسدها؟
https://youtu.be/bBp5F9AI97Y