الشيوعية والتدين الشكلي -أيهم محمود
لو فهم اليسار وظيفته الحقيقية لقاد ثورةً دائمة
سناك سوري-أيهم محمود
نقرأ عن التدين النصي أو الشكلي، نرى حوله الكثير من النقد وخاصةً بعد صعود منسوب عنف الأصوليات الدينية في منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، تم تسليط كل الأضواء على ظاهرة الإسلام السياسي، وعلى حركة التيارات الأصولية في المنطقة وكأنها الوحيدة التي عانت وتعاني من هذه الظاهرة، المشكلة أعمق بكثير وهي تطال جميع التيارات السياسية والثقاقية في منطقتنا، نذهب في نصنا هذا أبعد من حدود منطقتنا لنتكلم عن عالمية هذه الظاهرة، تسليط الضوء بقوة على بقعةٍ واحدة يعني حتماً ترك البقع الأخرى في ظلامها الدامس، قد لا يعجب هذا الرأي الكثيرين لكن الفكر الإنساني مترابط وواحد، وصعوده المشترك حتمي وكذلك هبوطه.
انتهت الشيوعية إلى اليسار الشكلي مثلما انتهت جميع الأديان الأخرى إلى التدين الشكلي، المشكلة الرئيسية هنا هي في الإنسان وليس في المنظومات الفكرية المختلفة التي تحكم حركة وعيه، الإنسان كسولٌ بطبعه، يحلم بوجود مصباح علاء الدين السحري المستعد دائماً لحل مشكلاته وتأمين حاجاته وسد أبواب إخفاقاته، هؤلاء هم الغالبية الإنسانية وهم الأكثر عدداً، لذلك يسود تدين الطقوس على تدين الالتزام الأخلاقي وتدين العمل الدؤوب المستمر الذي لا ينقطع، ولذلك يسود انتماء الشعارات البسيطة التي لا يتطلب ترديدها الكثير من الجهد الإنساني على الالتزام الدائم بنشر الوعي وثقافة العمل المستمر لإحداث تغيير حقيقي في المجتمع.
كما يقوم المتدين بطقوسه البسيطة للهروب من استحقاقات العمل الجزئي المستمر للوصول إلى جوهر فكرة إيمانه، كذلك يفعل الشيوعي والقومي وبقية أصحاب التيارات السياسية في منطقتنا وفي العالم كله أيضاً، في مقابل وجود هؤلاء الكسالى في كل ثقافةٍ وفي كل انتماء يدفع المؤمنون الحقيقيون الثمن مبكراً قتلاً وترهيباً وتحطيماً كما حدث في كل الصراعات السياسية الحزبية في بدايات ظهور الأحزاب والأديان، بدايات ظهور الشيوعية في روسيا خير مثال على اغتيال الوعي الثوري في بداياته لصالح الحفاظ على اليسار اللفظي فقط، يسار الشعارات، يسار الإخصاء بدلاً من أن يكون يسار الحرية والثورة الدائمة المستمرة حتى على نفسها وعلى قديمها.
اقرأ أيضاً: كهنة آمون في المسجد حيث كنت أصلي
يميل الإنسان وفق رأي بعض الباحثين في علم النفس إلى المبدأ الفيزيائي الذي يحكم الكون كله، مبدأ الطاقة الأصغرية، مبدأ صرف الحد الأدنى من الجهد في أي عمل، طالما أستطيع الاستمرار في حياتي بهذه الطريقة لم علي صرفُ طاقةٍ أكبر ودفعُ أثمانٍ أعلى، يرتبط مبدأ الطاقة الأصغرية في الفيزياء بمبدأ آخر لا يقل أهميةً عنه وهو مبدأ الإنتروبيا أو ميل المادة إلى التوزع المتجانس والعشوائي، مبدأ السير الحتمي باتجاه عدم الانتظام وباتجاه الهدم وتفكيك ما تطلب بناؤه صرف الجهد والطاقة، الفكر والحياة ذاتها -وهي الحامل الطبيعي لهذا الوعي- تظل في صراعٍ دائمٍ مع الموت الذي هو إعادة الجسد البشري الذي تمرد على قانون المادة إلى عالم الهدم والتفكك وعالم مبدأ الطاقة الأصغرية.
كما تعكس أجسادنا ثقافة الكون كذلك يفعل وعينا، لذلك نجد فيه أيضاً استمرار الصراع بين مبدأ الحياة أو مبدأ التنظيم وبين مبدأ الهدم أو مبدأ الموت، أي فكرة تتطلب الثورة الدائمة -أي العمل المستمر لتغيير الواقع والإبقاء على استمرارية هذه الواقع- لابد أن تواجه قوة العطالة التي تحاول لجم هذا التغيير لصالح مبدأ الطاقة الأصغرية، وعي هذه النقطة يجعلنا نخرج من أسطورة الشرق وأسطورة الغرب، أسطورة الدول المتقدمة والدول المتخلفة، أسطورة التفوق الفكري المزعوم بناء على لون البشرة، وآلاف الأفكار العنصرية الأخرى.
ليس الشيوعي ولا حتى الملحد أفضل حظاً في هذه المسألة من رفيقه المتدين، لذلك تنتهي جميع المنظومات الفكرية إلى الصيغة الشكلية وخاصةً مع تزايد تعقيد أساليب الإضاءة على بقعةٍ مظلمة صغيرة لجذب الإنتباه إليها، وهذا يعني أيضاً سحب الانتباه عن بقية البقع المظلمة التي لا تتم إضاءتها عمداً، التغيير الإنساني الحقيقي يبدأ بلمس المشاكل في جوهرها وصميمها لذلك لم يكن إدعاء بعض اليسار تفوقه المزعوم على ثقافة التدين الشكلي إلا مجرد صدى للتفوق المزعوم لأصحاب البشرة البيضاء على أصحاب البشرة السوداء.
لو فهم اليسار حقاً وظيفته الحقيقية لقاد ثورةً دائمة على نفسه وليس على الآخرين، ثورةٌ لتغيير نفسه باستمرار ومنع قوة الطاقة الأصغرية من لجم حركته وتحويلها إلى الشكل الطقسي الباهت، إلى حالة تكرار الشعارات الممل الذي لا يصل في نهايته سوى إلى القانون الفيزيائي الأسمى والأعم، التفكك الحتمي والعودة إلى رحم الفوضى والعشوائية.
اقرأ أيضاً: العلم تمرد وإبداع فلماذا حروب الأهالي؟ – أيهم محمود