الاعتراف بالفشل واللاعنف – ناجي سعيد
اللاعنف يُؤكّد أهميّة الوعي الجماعي، إذا ما كان مصحوبًا بالسماح للفرد بالاعتراف بفشله، من أجل التصويب
سناك سوري-ناجي سعيد
لم يكُن سُباتي عميقًا، حين كنتُ خاضعًا لنظام تربوي فاشل. فلم أعترف بسهولة بذلك. وقد امتلكتني سعادة غير واعية حين تجاوزت السنة الثانويّة الأولى، مُستعينًا بعلامات “استلحاق” يهبها النظام التربوي ليتفادى فشله البعيد الأثر. وحين فشلتُ في سنتي الجامعيّة الأولى نتيجة انتقالي من فرع الجبل إلى فرع بيروت في الجامعة اللبنانيّة، كانت إعادتي للسنة الأولى اعترافًا بفشلي من الانضواء إلى نظام أَدركتُ فشلَهُ لاحقًا.
ولأُرضي غروري، واسيتُ نفسي بجملةٍ ردّدتها في قرارة نفسي: “أنا لم أفشل، هُم الذين نجحوا”. وموقفي من المنظومة الفاشلة ترجمته برفضي “للواسطة” التي عرضها زميل الصفّ الذي أصبحَ صديقا لاحقًا! فقد تكون الواسطة مشروطة بتبعيّة لجهة شريكة بالفساد. وبعد رحلة النضج التي خضتها، والمسار اللاعنفي الذي تبعته، أدركت أنّ النجاح المطلوب، يلازم الاستغناء عن منظومة قيم لطالما آمنت بها. وأوّل هذه المنظومة، قاعدة غاندي الأشهر: “كُن أنت التغيير الذي تُريده في العالم”.
وهذا يُفضي إلى أساس مفهوم النجاح. فالنجاح المطلوب عن الإنسان اللاعنفي لا يرتبط بقيُود وشروط. وإذا ما ارتبط يُصبح نجاحًا مشروطًا وبالتالي زائفًا. وهنا المشكلة، فكيف يكون النجاح قيمة جميلة وإنسانيّة إذا ما قيّدناها وقولبناها بحسب معاييرنا؟ فالنجاح في عالم السياسة يتمّ إذا ما حقّق أهداف علم السياسة. ولو رجعنا إلى التفسير العلمي للسياسة، وبحسب “الويكيبيديا”: “.. اصطلاحًا تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيًا حسب “هارولد لاسويل” بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا (المصادر المحدودة) متى وكيف. أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة (ديفيد إيستون).
اقرأ أيضاً: اللاعنف يحتاج قراراً ليس فقط تعليماً – ناجي سعيد
وعرفها الشيوعيون بأنها دراسة العلاقات بين الطبقات، وعرف الواقعيون السياسة بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيًا وليس الخطأ الشائع، وهو أن فن الممكن، أو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييرهِ، بناءً على حسابات القوة والمصلحة..” وهذا يُوضح بأن معايير النجاح إنسانيّة فقط. ليس نجاحًا ما هو مرتبط بخضوع لقوى سياسية واقتصاديّة خارجيّة تفرضها الدول التي تُدعى “عظمى”!.
ولم أتفاجأ كما الخاضعون، من اعتذار سعد الحريري من تشكيل حكومة، ولستُ مُنجّمًا لأعرف أسبابه، إذا ما كانت رفض للخضوع للقوى المسيطرة المُرتبطة بالخارج، ولكنّ أستطيع القول بأن اعتذاره عن التشكيل هو بداية الرفض للخضوع، ولو لم يُعلن هذا.
فقد تلفّق هذا الاعتذار “مقابلة” مع تلفزيون هو “بوق” يُظهر رفضهُ، ويُعلن خضوعَه لمنظومة الفساد والخضوع وما يَعنيني كرافض للخضوع، هو استنكار شعبي (من جمهور الحريري) لرفضه الخضوع والذي ظهر في اعتذاره عن تشكيل حكومة “تكنوقراط” مستقلّة عن الزعامات الموروثة ولو كانت محاولة ناقصة، بعد قراءة أسماء التشكيلة المُقترحة، المرفوضة جُملةً وتفصيلاً من الرئيس الخاضع لقوى مُسيطرة على المجتمع من خلال تقديمات معيشيّة، تربطهم من رقابهم بلقمة العيش، وهي حقّ أساسي لهم ولأولادهم.
المواطن الفقير يرزح بين مطرقة العوز لِلُقمة العيش وسندان التبعيّة العمياء. المشكلة أنّ الناس تعي تمامًا فكرة الخضوع للخارج، وهي راضية بذلك، لا بلّ تنشط بإقفال الطرقات، ليس احتجاجًا مُحقًّا على غلاء الأسعار، بل على اعتذار هو طريق سليم لرفض الخضوع. تحرّكات الناس بإقفال الطرقات ذكّرتني بالشعب المصري الذي رفض استقالة عبد الناصر، حين اعترف بفشله التاريخي، الهزيمة التي غيّرت مسار التاريخ العربي! وكأن وعي الشعب المصري الجماعي يرفض الاعتراف بالفشل، فنزل إلى الشارع هاتفًا: “لا يا ريّس ما تسيبناش يا ريّس”!! اللاعنف يُؤكّد أهميّة الوعي الجماعي، إذا ما كان مصحوبًا بالسماح للفرد بالاعتراف بفشله، من أجل التصويب.
اقرأ أيضاً: الإعلام الفضائحي.. تواطؤ الضيف والمُقدِم على الجمهور – ناجي سعيد