أفكار لتطوير قانون الأحداث تحقيقاً للعدالة بالتعامل معهم

الجزء الثالث والأخير: سناك سوري ينشر لكم سلسلة بعنوان “لماذا نحن بحاجة لشرطة خاصة بالأطفال في سوريا؟”
سناك سوري-رامي فيتالي
كنا قد تحدثنا في مادتين سابقتين، ضمن سلسلة “لماذا نحن بحاجة لشرطة خاصة بالأطفال في سوريا؟”، عن أهمية شرطة الأحداث، ومدى الحاجة لها، وسنورد اليوم لكم أمثلة عن المخاطر التي يتعرض لها الحدث أو الطفل عند سجنه أو توقيفه مع الأشخاص الراشدين.
شرطة الأحداث لا يجوز أن تنتظر تقديم شكوى من المجني عليه إذا كان طفلاً، ولا من شخص له علاقة مباشرة به، فالطفل أولاً لا يعرف حقوقه ولا يعي قدرته على تقديم الشكوى، وأحياناً كثيرة يكون الجاني من ذوي الطفل أنفسهم، أو من أشخاص يستغلون أطفال أبناء عائلات شديدة الفقر أو الذين لا يوجد لهم سند. الشرطة يجب أن تتحرك من تلقاء نفسها عند الشك بوجود انتهاك لحقوق طفل أو الاعتداء عليه حتى لو كان من قبل أهله، أو بناء على أي بلاغ بوجود مثل هذه الشبهة من أي كان بدون تعريض من قام بالتبليغ لإمكانية الاتهام بالبلاغ الكاذب.
القانون أيضاً ربما يحتاج لمراجعة، مثلاً يعفي القانوني السوري ولي الطفل الجانح من أية مسؤولية تقريباً، ما خلا غرامة رمزية في حل ثبت أن جنوح الطفل ناتج عن إهمال وليه أو الوصي عليه. وأيضاً يسمح لذوي الطفل الادعاء عليه بتهمة السرقة. في المقابل، العنف الأسري الممارس على الطفل يتساهل معه القانون تشريعاً وقضاءً وتنفيذاً. هذا يشكل خللا كبيرا في ميزان العدالة لصالح الكبير ضد الصغير الذي هو الطرف الأضعف ويحتاج إلى الحماية والرعاية.
اقرأ أيضاً: ماهية شرطة الأحداث وكيف يجب أن تتعامل وفق القوانين
عملياً هذا يسمح لبعض أولياء الأمور ضعيفي النفوس بتهديد أطفالهم بالتوقيف بالادعاء عليهم إذا لم يأتمروا بكل ما يطلبونه منهم ولو كان مخالفاً للقانون، أو أن يرسلوا أطفالهم للسرقة أو التسوّل فيتملصوا هم من العقوبة، أو حتى أن يجعلوا أطفالهم يعترفون بجرائم ارتكبها الأهل. للأسف كل هذه الأمور تحدث فعلاً وليست نادرة وقد عاينت شخصياً أمثلة مؤسفة عليها.
صحيح أن القاعدة الفقهية المستمدة من الشرع الإسلامي “لا تزر وازرة وزر أخرى” لا تجيز محاسبة أحد بجرم ارتكبه آخر، ولكن هذا يعني في هذه الحالة أنه لا تجوز محاسبة الأهل جنائياً على جرم ارتكبه أطفالهم، لكن هذا لا يعفيهم من مسؤوليتهم تجاه الأطفال في رعايتهم وتوجيههم. ربما أيضاً يجب أن يتحملوا المسؤولية المادية في حال السرقة والتخريب، فإذا كان ولي الأمر أو الوصي هو المسؤول مادياً عن وحقوق واستحقاقات القاصر من الغير، يجب أن يكون مسؤولاً أيضاً عن التزامات القاصر تجاه الغير.
هذا يجعل الأهل يشعرون بمسؤولية أكبر تجاه توجيه ورعاية أطفالهم ويمارسونها بشكل أفضل. أيضاً فتح المجال أمام ولي الأمر بالادعاء على ابنه القاصر بالسرقة يتناقض مع المنطق الإصلاحي لقانون الأحداث.
من الطبيعي أن يطلب الطفل حاجته من أهله أو من غيرهم إذا لم يستجب أهله لحاجته، ولهذا لا يجوز تجريم الطفل بأي شكل إذا مارس التسوّل. بالحري، ممارسة الطفل للتسول في مكان عام، يجب أن تكون منبهاً لشرطة الأحداث لاحتمالية وجود تشغيل للطفل بالتسول من قبل أهله أو غيرهم، أو وجود إهمال من قبل الأهل أو فقدان الطفل لأهله لسبب أو لآخر، وجميع هذه الحالات توجب على الشرطة التصرف، حمايةً له.
لا ينص القانون على ضرورة الفصل بين الأطفال والكبار أثناء التوقيف في مقاسم الشرطة والأفرع الأمنية، وهذا يبدو قصوراً كبيراً. توقيف الأطفال مع الكبار المشتبه بقيامهم بجرائم، والذي قد يستمر لأسابيع عديدة أحياناً، يجعل الطفل عرضة للاستماع لأحاديث لا تناسبه ولا يجوز له الاستماع لها، مثل تمجيد المهارة في السرقة وتعلّم أساليبها، احتقار القانون والقائمين عليه، التعرّف على عادات سيئة والألفاظ النابية، الاستماع لأحاديث جنسية لا تناسب أعمارهم الصغيرة، وحتى التعرّض للتحرش الجنسي أحيانا.
عند الحديث عن موضوع شرطة الأحداث، كثيراً ما يتم الدفاع على عدم تطبيقه ببعض الحجج، مثل الضغط الكبير على الشرطة، وضرورة العنف لتخويف الأطفال وتحقيق الأمان في المجتمع. في واقع الأمر تخصيص شرطة للأحداث يخفف الضغط، ويفرغ عناصر متخصصة لقضايا الأحداث. ومن ناحية نجاعة الأسلوب، عودة معظم الأحداث لارتكاب الجنايات بعد توقيفهم من قبل الشرطة وفي الإصلاحيات دليل قاطع على أن الأسلوب المتبع غير صحيح، وبشيء من التدقيق، السبب الأساسي يبدو مفهوماً، فهو أن استعمال العنف مع الأطفال يولّد لديهم كراهية وعدم احترام للقانون وللقائمين عليه، إلى جانب تلقيهم لثقافة إجرامية عند احتكاكهم بمجرمين كبار.
إذاً جواباً على السؤال، لماذا نحن بحاجة لشرطة خاصة بالأطفال في سورية؟، فنحن نحتاجها لسببين بسيطين، أوّلهما أنّه موضوعٌ إنساني، إذ كثير من الأطفال يتعرّضون للظلم وانتهاك حقوقهم الأساسية نتيجة عدم وجود إجراءات توقيف، وتحقيق تناسب عمرهم ووضعهم، إلى جانب أن الكثير من الموقوفين الأطفال يحتاجون أصلاً لمتابعة وعلاج كونهم يعانون من ظروف اجتماعية ونفسية خاصّة تستدعي عناية خاصّة، ثانياً لأجل الحفاظ على أمان المجتمع، الآن ومستقبلاً، لأن سوء التعامل الأمني مع الأطفال وظلمهم وعدم معالجة الأوضاع الخاصة التي دفعت بعضهم إلى الجنوح سيزيد من جنوحهم وسينتج عدداً كبيراً من المجرمين البالغين مستقبلاً.
اقرأ أيضاً: رغم وجود قانون لإحداثها.. لا وجود لشرطة الأحداث في سوريا