إقرأ أيضاالرئيسيةحرية التعتير

“خليل” الذي غرس سكيناً عميقاً في قلبي.. سيكبر يوماً

هذه القصة حقيقية تماماً أردتها سبقاً إنسانياً عله يذكرنا بآدميتنا التي طمرناها بعيداً بذريعة ضغوط الحياة.

سناك سوري-داليا عبد الكريم

رغم أنه قال لي إنه لا يعلم كم عمره، إلا أن “خليل” الرجل الأسمر الصغير يبدو أنه لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره على أبعد تقدير، تعرفت إليه أثناء تواجدي في محل لتاجر جملة وأنا أقتني تموين الشهر كما اعتدت دائماً، حيث كان “خليل” صبي المحل الذي يساعد الزبائن في جلب مايطلبونه من الرفوف الكثيرة في المحل.

حين شاهدت “خليل” مندمجاً مع طفلتي الصغيرة التي ذكرته بطفولته المسلوبة عنوة أخبرته أن ينتبه إليها وأنا سأتكفل بإحضار كل ماأحتاجه، سرعان ماوافق بشدة، وأنا كنت ممتنة جداً له لكونه أعطاني فرحاً في إيقاظ تلك الجزيئيات الطفولية داخله، أحضرت أغراضي وساعدني هو في حمل البعض منها إلى السيارة.

هناك.. سألته من أين هو؟، وبأي صف في المدرسة، ليجيبيني: أنا من السفيرة في حلب، ولا أستطيع الذهاب إلى المدرسة لأن العمل طويل يبدأ في الساعة الثامنة صباحاً وينتهي في الساعة الحادية عشر ليلاً، فأجرته تحتاجها أسرته ووالده المقعد لمتابعة حياتهم في ظل غربة فرضتها عليهم الحرب، قلت له هل تريد العودة إلى السفيرة أم أنك ستبقى هنا، نظر إلي بعينين كان بياضهما لافتاً ربما من شدة سماره أو أنه بريق الشوق هو ماانعكس عليهما مع آه طويلة جداً: السفيرة حلم بعيد ياريت ارجع، هونيك كنت إلعب وروح عالمدرسة بس هون أنا عمبشتغل بس.

مقالات ذات صلة

اقرأ أيضاً: في اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. المعارضة وزوجي والحكومة وجوه لعملة واحدة!

دخل كلامه كالسكين إلى قلبي، أردت أن أفرغه كله في صاحب المحل الذي بدا للوهلة الأولى كأنه سرق حياة هذا الطفل منه، ثم استدركت محدثة نفسي بصمت: ربما إن فعلت ذلك سأتسبب بخسارة خليل لعمله وربما لفرصته في أن يأكل ويشرب هو وعائلته، ثم وبدون وعي أخرجت مبلغاً مالياً وقدمته له، ليجيبني: “لا خالتو شو هاد أنا عمباخد أجرتي من المحل، ثم ابتسم لي وغاب بعيداً دون أن تفلح نداءاتي بجلبه من جديد، مرة أخرى شعرت بتلك السكين تغرس عميقاً في قلبي، حضنت طفلتي الصغيرة بقوة كبيرة، وفي قرارة نفسي كنت أريد أن أحتضن ذلك الطفل الرجل، الذي أنهكته الحياة لكنها أبداً لم تحرمه برائته وعزة نفسه، يالنا من مجرمين كيف سمحنا لأنفسنا أن نعلن هذه الحرب اللعينة وندعها تفتك بأولادنا بهذه الوحشية كلها؟!.

وبينما ينتظر خليل حلم العودة إلى السفيرة، سيدرك حين يعود أن طفولته سفكت وكذلك حقه بالتعليم، لكن خليل سيكبر يوماً ليربي أولاده على عزة النفس والكرامة والسلام.. السلام فقط أو ربما عكس ذلك تماماً.

ملاحظة: القصة السابق ذكرها حقيقية تماماً، لكن طبيعتي البشرية التي تتسم بالإنسانية لم تسمح لي بإلتقاط صورة لهذا الطفل لمجرد أن أجعله سبقاً صحفياً، أردته سبقاً إنسانياً عله يذكرنا بآدميتنا التي طمرناها بعيداً بزريعة ضغوط الحياة.

اقرأ أيضاً: في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. وددنا لو نكون “حيوانات غربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى